إضافة إلى الإفراط في تناول الطعام، وانخفاض مستوى ممارسة النشاط البدني، بصفتيهما سببين رئيسيين للإصابة بالسمنة، هناك أسباب أخرى. وأحد أهم تلك الأسباب الأخرى، والتي كثيراً لا يُنتبه إليها، الأدوية التي يتناولها المرء لعلاج حالات مرضية مزمنة لديه. وتسمى هذه الحالة “سمنة دوائية المنشأ”.
إن غالبية فئات الأدوية المتسببة في السمنة هي أدوية شائعة الاستخدام. ومعرفتها لها فائدتان: الأولى: للطبيب، كي يضع في حسبانه الخيارات الدوائية الأخرى والبديلة لمعالجة المريض، غير تلك التي تتسبب في السمنة، خصوصاً لدى المرضى الذين في الأصل لديهم زيادة في الوزن أو حتى سمنة.
أما الفائدة الثانية فهي للمريض نفسه، كي يضع في حسبانه أن عدم المساهمة في تخفيف حالته المرضية بالسلوكيات الصحية، والاعتماد التام بدلاً من ذلك على الأدوية، سيكون ذا مردود عكسي عليه. وأوضح أمثلة ذلك بعض أدوية علاج السكري؛ لأن المريض إذا لم يضبط الحمية الغذائية ولم يمارس الرياضة البدنية اليومية، وارتفعت نسبة السكر لديه، فإن الطبيب سيضطر إلى وصف الأدوية التي تعمل على خفض السكر، بجرعات أعلى، مما قد يفاقم مشكلة زيادة الوزن أو السمنة لديه.
أدوية تسبب السمنة
ووفق مراجعة الدراسات الطبية ومراجع الكتب الطبية التي تحدثت عن «السمنة دوائية المنشأ»، إليك 7 فئات منها؛ هي:
1- “حاصرات بيتا”: أحد الأعمدة الرئيسية في معالجة أمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم وألم الصدر (الذبحة الصدرية) وحماية القلب من النوبة القلبية، ومجموعة أخرى من الحالات المرضية.
وزيادة الوزن لدى مريض القلب أو ضغط الدم، خصوصاً إذا كانت سريعة، يمكن أن تكون مصدر قلق طبي. ومن المعروف منذ فترة طويلة أن «حاصرات بيتا» تؤدي إلى زيادة الوزن. والأمثلة الشائعة لهذه الفئة هي بروبرانولول وميتوبرولول (لوبريسور) وأتينولول (تينورمين). كما يمكن أن يؤدي العديد من الأدوية القديمة لـ «حاصرات بيتا» إلى الإرهاق والخمول، ويكون المرضى متعبين ولديهم نقص في الطاقة وبطيئين، مما قد يؤثر على ممارسة الرياضة البدنية وحرق السعرات الحرارية كل يوم، وبالتالي زيادة الوزن.
2- مضادات الهيستامين: تستخدم بشكل شائع لعلاج حساسية الأنف، أو لتخفيف أعراض نزلات البرد والإنفلونزا، أو الحساسية من أحد أنواع الأطعمة أو الأدوية أو العطور، أو حساسية وبر الحيوانات، أو حساسية العين تجاه حبوب اللقاح… أو غيرها. وهناك نوع قديم (الجيل الأول)، وفعّال جداً، من مضادات الهيستامين التي تتسبب في النعاس، ونوع أحدث (الجيل الثاني)، لا يتسبب في ذلك. ومضادات الهيستامين الأحدث، مثل السيتريزين (زيرتيك)، لوراتادين (كلاريتين)، تتوفر من دون وصفة طبية OTC، ولكنها ترتبط بزيادة الوزن، عبر زيادة الشهية.
3- أدوية مشتقات الكورتيزون: تُستخدم الأدوية الستيرويد، مشتقات الكورتيزون ، في العديد من الحالات المختلفة، كالربو والحساسية والتهاب المفاصل والإصابة الحادة، للمساعدة في تقليل الالتهاب والألم والتورم. ومنها ما يؤخذ عبر الفم (مثل بريدنيزولون)، أو بالحقن في الوريد، أو على شكل مستحضر موضعي على الجلد (مرهم أو كريم بلسم)، أو عبر بخاخ للأنف أو الرئة، أو قطرات في العين أو الأنف أو الأذن، أو بشكل تحميلة شرجية… وغيره.
وغالباً ما يتم استخدامها على المدى القصير أو يتم تقليل الجرعة ببطء، مما قد يساعد في تقليل الآثار الجانبية. ولكن يمكن أن يرتبط استخدامها طويل الأمد، وبجرعات عالية لا ضرورة لها، بالعديد من الآثار الجانبية الأكثر خطورة، ولذا يتم تجنبها قدر الإمكان. وتأثير الستيرويدات المتناولة عبر الفم أو الوريد بالذات، على إبطاء سرعة ونشاط معدل عمليات الأيض الكيميائية الحيوية، وعلى زيادة الشهية، هو في الغالب سبب في زيادة الوزن.
4- أدوية علاج مرض السكري: توجد أصناف عدة من أدوية علاج مرض السكري من «النوع2»، لخفض نسبة السكر في الدم. وكل منها يعمل بطرق مختلفة، وذلك إما عبر تحفيز البنكرياس على إنتاج وإفراز مقدار أكبر من الأنسولين، وإما منع إنتاج وإفراز الغلوكوز من الكبد، أو منع عمل أنزيمات المعدة التي تكسر الكربوهيدرات، أو تحسين حساسية الخلايا للأنسولين، أو تثبيط إعادة امتصاص الغلوكوز في الكلى، أو إبطاء عملية تحريك الطعام من خلال المعدة. ويؤخذ بعض هذه الأدوية عن طريق الفم، والبعض الآخر عبر الحقن.
ويمكن أن تسبب بعض أدوية السكري زيادة الوزن وزيادة تراكم السوائل في الجسم، من خلال التأثير على مستويات الأنسولين في الجسم وكيفية تعامل الجسم مع السكر.
5- مضادات الاكتئاب: الأدوية المضادة للاكتئاب أنواع عدة، وتختلف طريقة عمل كل فئة منها؛ إذ قد يؤدي بعض مضادات الاكتئاب إلى زيادة الوزن، إما عن طريق التدخل في الناقل العصبي السيروتونين الذي يتحكم في الشهية، وإما بتأثيرها المباشر في رفع الشهية للأكل، أو تسببها في الخمول والإرهاق والاسترخاء لدرجة تقليل مستوى النشاط البدني للمرء. ويمكن للطبيب الاختيار من بين العديد من البدائل في فئة مضادات الاكتئاب إذا كانت زيادة الوزن تمثل مشكلة.
6- مضادات الذهان وعلاج اضطرابات المزاج: الذهان حالات تؤثر على العقل، ويواجه المُصاب صعوبة في فهم ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. وتشمل أعراضه كلاً من: الأوهام (الاعتقاد الخاطئ على الرغم من وجود الدلائل التي تثبت له عكس ما يتوهمه)، والهلوسة (الإحساس في حالة اليقظة بمحسوس غير موجود). وتشمل الأعراض الأخرى الكلام غير المترابط أو اللامعقول، والسلوك غير المناسب للموقف. قد يعاني الشخص المصاب بنوبة ذهانية أيضاً من الاكتئاب والقلق ومشكلات النوم والانسحاب الاجتماعي ونقص الحافز وصعوبة الأداء بشكل عام. ويمكن أن يكون الذهان مرتبطاً بالعديد من الأمراض البدنية أو باضطرابات المزاج.
وتُستخدم المهدئات الرئيسية كأدوية مضادة للذهان لعلاج اضطرابات المزاج، مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب (نوبات متوالية من الاكتئاب والبهجة) أو علاجاً إضافياً للاكتئاب الذي يصعب علاجه. والأدوية المضادة للذهان لها تأثير مهدئ قصير المدى، وتأثير طويل المدى لتقليل احتمالات تكرار نوبات الذهان. وتُصنّف إلى مضادات ذهان تقليدية (الجيل القديم) وأخرى غير تقليدية (الجيل الجديد). ومن المعروف أن العديد من مضادات الذهان تسبب زيادة الوزن عبر زيادة الشهية. ولكن في حالات اضطرابات الصحة العقلية، قد يكون العلاج الدوائي ضرورياً للغاية. كما قد يكون خطر إيقاف الدواء أكبر من المخاطر المرتبطة بزيادة الوزن. ولذا يجب أن يخضع المرضى الذين يتناولون الأدوية المضادة للذهان لمراقبة وزنهم ومحيط الخصر والدهون وضغط الدم وغلوكوز الدم طوال فترة المعالجة.
7- حبوب منع الحمل: بشكل عام؛ لا ترتبط حبوب منع الحمل بزيادة الوزن، خصوصاً الحبوب الأحدث التي تحتوي على جرعات أقل من الأستروجين والبروجستين. ومع ذلك؛ يمكن أن تؤدي الجرعات العالية من هرمون الاستروجين أو حبوب منع الحمل التي تحتوي على البروجستين فقط، إلى زيادة الوزن. كما يمكن أن تؤدي حقنة منع الحمل المعروفة باسم «ميدروكسي بروجستيرون (ديبو بروفيرا)»، والتي تُعطى كل 3 أشهر، إلى زيادة الوزن بشكل كبير لدى بعض النساء.
ق. م