تحدّى ثوار الجزائر الاستعمار الفرنسي بكل الأساليب العسكرية والسياسية والإعلامية، وكان التحدّي الإعلامي أبرز ساحات المواجهة، إذ اعتبرت الثورة وجود منبر ينقل صوتها إلى الداخل والخارج أمرا مهما.
تمر اليوم الذكرى الثالثة والستون على تأسيس الإذاعة السرية التي ولدت من رحم الثورة الجزائرية المباركة، حيث سجلت حضورها بقوة يوم الـ 16 ديسمبر 1956 بأمر من قيادة الاتصالات آنذاك وعلى رأسها المجاهد الراحل عبد الحفيظ بوصوف لتكون منبرا لإيصال صوت الجزائر الحرة المكافحة لكل أنحاء العالم وإبراز حق الشعب الجزائري في الظفر بالحرية والاستقلال.
سلاح مجدي في يد الثوار

استطاعت الإذاعة السرية بفضل العاملين بها والسياسة الحكيمة لقادة الثورة التحريرية، أن تكون سلاحا مجديا في يد الثوار تضاهي فعاليته الأسلحة الحربية، فعبر أمواجها الأثيرية ساهمت في تحقيق حلم المجاهدين في الدفاع عن القضية الوطنية وبعث الثقة في نفوس الجزائريين والرد على الدعاية الفرنسية المغرضة التي مفادها أن الجزائر فرنسية كاشفة حقيقة الاستعمار الفرنسي وهمجيته.
التحديات الأولى…
رغم قلة الإمكانيات والتجربة استطاعت الإذاعة السرية الجزائرية التي كانت متنقلة على ظهر شاحنة في البداية هروبا من عيون المستعمر الفرنسي أن ترى النور في 16 ديسمبر من العام 1956 في المغرب الشقيق، وبالتحديد من مدينة الناظور وكانت تخاطب المستمعين لتقول هنا إذاعة الجزائر الحرة.
من جاء بفكرة الإذاعة ومن دعمها؟
كان مؤسس الإذاعة السرية هو عبد الحفيظ بوصوف الذي كان قائد الولاية الخامسة في تلك الفترة التي سبقت مؤتمر الصومام الذي كلفه القائد الشهيد العربي بن مهيدي بإنجاز وتجسيد المشروع على أرض الواقع، وبعد أن تم استحداث سلاح الإشارة جاءت فكرة إنشاء الإذاعية المستقلة التابعة للقيادة الثورية، وكانت الدول العربية المساندة للثورة الجزائرية تعلم القائمين عليها بتوقيت برامجها لتبث في نفس التوقيت معها ونذكر منها (تيطوان – الناظور – طنجة – وجدة – الرباط) بالمغرب، و(طرابلس بنغازي – مرسى مطروح) ليبيا، و(القاهرة صوت العرب) بمصر، و( بغداد – دمشق – الخرطوم – الاردان – الكويت – السعودية – بكين _ أكرا الغانية _ كوناكري الغينية).
طريقة تقسيم البرامج وأبرز من كان يذيع فيها
كانت الإذاعة تبث برامجها في منطقة الريف المغربي الخاضع سابقا للحكم الإسباني وبالضبط في مدينة الناظور، وكانت تعمل ساعتين يوميا على الموجات القصيرة.
وكانت تقسم البرامج ساعة كاملة باللغة العربية تذيع من خلالها أخبارا عسكرية، سياسية، تعليقا بالفصحى، تعليقا بالدارجة و نصف ساعة بالأمازيغية ونصف ساعة بالفرنسية.
وكانت تبدأ البث بالنشيد الوطني ثم تليه الأخبار العسكرية التي كانت تصل عن طريق الشبكات الموزعة في المغرب وتونس وعن طريق البرقيات، وفيما بعد يأتي موعد “كلمة اليوم” وهي كلمة افتتاحية سياسية تعلق على بعض الأحداث أو قرارات الأمم المتحدة ومواقف الدول العربية منها، وتتوالى البرامج التاريخية التي ترتبط بفترة زمنية معينة أو تحكي قصة زعيم من الزعماء القدامى للمغرب العربي.
وكانت إذاعة صوت الجزائر الحرة تدوي من الإذاعات العربية الشقيقة بصوت المرحوم عيسى مسعودي (الذي قال عنه الرئيس الراحل هواري بومدين “نصف انتصارات الثورة بفضل جيش التحرير ونصفها الآخر بفضل صوت عيسى مسعودي”.
والتحق الاعلامي عيسى مسعودي بصفوف الثورة سنة 1956 وأشرف على انطلاق برنامج صوت الجزائر العربية من الإذاعة التونسية، ثم ترك مكانه للمرحوم محمد بوزيدي وانتقل إلى الإذاعة السرية لجيش التحرير على الحدود المغربية المعروفة بـ “صوت الجزائر الحرة” فكان رئيس تحريرها وأشهر مذيعيها، كما عرف عيسى مسعودي بالتفاعل الشديد أثناء التعليق على الأحداث السياسية والعمليات العسكرية، إلى درجة أن قيادة الثورة كانت تعتبر إذاعة صوت الجزائر الحرة الولاية التاريخية السابعة، و في 12 جويلية 1959 انتقل إلى إذاعة الناظور بالمغرب بعد التحاقه بجهاز اللاسلكي التابع لجيش التحرير الوطني، وكان لنشاطه هذا الأثر البليغ في الرفع من معنويات أعضاء جيش التحرير والشعب الجزائري.
وبالإضافة لعيسى مسعودي كان يعمل في الاذاعة طاقم من الأسماء البارزة نذكر منهم
محمد السوفي – عبد المجيد مزيان – زهير احدادن – الهاشمي تجيني – رضي بن الشيخ الحسين – خالد سفير – مداني حواس – عبد القادر حساني – عبد العزيز شكيري – موسي سدار – علي قزاز – عمر تريحي – عبد الكريم حسيني..) وغيرهم من المجاهدين الإعلاميين والقادة العسكريين والعباقرة التقنيين بسلاح الإشارة وصناع القرارات الثورية والمؤسسين للإذاعة السرية (الثلاثي العربي بن مهيدي، عبد الحفيظ بوصوف، ومسعود زقار)
وكان أكبر مشكل يصادف الاذاعة السرية هو التشويش على برامجها من طرف الفرنسيين واستعملت الاذاعة عدة طرق للتصدي لهم منها تقريب موجاتنا من موجات العدو أو أي دولة لها علاقة بفرنسا، فإذا قامت بالتشويش تكون أول المتضررين وبعدها الدول الصديقة لها، كما كان تقنيو الاذاعة يستعملون الأمواج القصيرة لان الطويلة كانت تتطلب طاقة كهربائية عالية وأجهزة أكبر.
ل.ب