5 جويلية.. ذكرى لا تموت

5 جويلية.. ذكرى لا تموت

سنوات متواصلات، والحرْب في الجزائر لم تهدأْ، والجزائريُّون البواسل يُقيمون في كلِّ يوم براهينَ البطولة، التي تُثير الإعجاب من العدوِّ قبل الصديق، وحتى تركوا في الدنيا دويًّا هائلاً، ومجدًا رائعًا، لم يكن في حرْب الجزائر تكافؤٌ من الناحية المادية، بل كان صِراعًا بين قوة مادية غاشمة لا تعبأ بحقٍّ أو خُلق، حكمها شريعةُ الغاب، وبين مجاهدين قلَّ عددُهم وعُدَّتهم، ولكنَّهم لم يَهِنوا، ولم يستسلموا للطغيان، وإنَّما ناضلوا بقوَّة إيمان، وثبات جَنان، ودفاعًا عن حقوق مساوية، وذودًا عن الأعراض أن تُنتهك، لم يتخاذلوا وقد رأَوْا من الوحشية وصنوفِ التعذيب ما لا يُصدِّقه العقل، بل ازدادوا إصرارًا على نَيْل مطالبهم الشريفة، وحقوقهم العادلة، فسجَّلوا الصفحاتِ الناصعةَ الوضَّاءة في التاريخ الحديث. إنَّهم لم يحاربوا جيشَ فرنسا المزوَّدَ بأنواع الأسلحة الحديثة الفتَّاكة، والمعدات القويَّة الرهيبة وحدَه – وهو يربو على نِصف مليون جندي – وإنَّما صمدوا أمامَ المستوطنين الفرنسيِّين والأوربيِّين المسلَّحين، وحاربوا مع هؤلاء جميعًا حِلفَ الأطلسي بكامله، بطائراته ودبَّاباته، وجنوده ومساعداته المختلفة، ذلك الحِلف المشؤوم الذي يُناصِر فرنسا الباغية، ويضع تحتَ تصرُّفها قواتِه الضخمة؛ لتُنكِّل بالأحرار المجاهدين، ولتمعنَ في حرْب الإبادة التي تشنُّها في الجزائر. ووقف المجاهِدون الجزائريُّون صامدِين، رغم المعونات الكثيرة، والقروض العديدة التي لا تفتأُ أمريكا تزوِّد بها فرنسا تباعًا، لقد خَسِر الجزائريُّون الكثيرَ، ولكنَّهم قد صمَّموا على المُضيِّ حتى تستقلَّ بلادهم، ويطردوا الفرنسيِّين المعتدين. هي ثورة الجزائر، شغلت بال المفكرين والنقَّاد، والباحثين والمؤرخين والشعراء، فالكلمة تعجز وتخاف من أن تنتظم مع الكلمات الأخرى في ألا تفي بالغرض ثناءً لثورة الأبطال. ولنا في الخامس من شهر جويلية من كل عام ذكرى مخلدة لثورة لا تموت بموت صناعها، فالضريبة كانت مليون ونصف المليون شهيد، وذلك ما أعطى لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد.

من موقع إسلام أون لاين