العدّ التنازلي لوصول قافلة الصمود يعيد اختبار الضمير الدولي أمام حصارغزة

3 أيام… إما “ممرٍّ مفتوح” أو “ضميرٍ مذبوح”

3 أيام… إما “ممرٍّ مفتوح” أو “ضميرٍ مذبوح”
  • هل بات إنقاذ الأرواح فعلًا محرّمًا؟

  • هكذا.. تتقاطع إرادة القمع مع تواطؤ الصمت الدولي

  • تهديدات إسرائيلية متصاعدة واستنفار عسكري بحري قبل وصول الأسطول

  • المنظمات الحقوقية تحذر من استخدام القوة وتدعو لتأمين عبور إنساني آمن

في عرض البحر، وعلى بُعد أيامٍ قليلة من شواطئ غزة، يقترب “أسطول الصمود” حاملاً معه اختبارًا أخلاقيًا جديدًا للعالم، وسؤالًا واحدًا لا يحتمل التأجيل: هل ستُفتح الطريق للمساعدات، أم سيُقمع صوت الإنسانية مجددًا؟

 

بينما تمخر السفن الموج بخمسين علمًا من أربعين دولة، يستعد الاحتلال الإسرائيلي لاعتراضها كما لو كانت تهديدًا عسكريًا، لا قافلة إغاثة. إنها لحظة تتقاطع فيها الرمزية بالواقعية؛ إذ تحوّل العدّ التنازلي إلى مشهد كاشف، يضع الضمير الدولي أمام مرآة الحقيقة: إما أن ينتصر للقيم التي طالما تغنّى بها، أو يواصل التواطؤ مع أطول حصار إنساني في التاريخ الحديث. فكل ميل بحري يقطعه الأسطول، يقرّب العالم أكثر من امتحانٍ علنيّ بين “قانون القوة” و”قوة القانون”.

 

السفن تقترب… والاختبار الإنساني يبدأ

أسطول الصمود المغاربي ينطلق من تونس نحو غزة لكسر الحصار - latest report

كلما تقلّصت المسافة التي تفصل أسطول الصمود عن شواطئ غزة، ارتفعت حرارة المشهد الدولي، وكأن العدّ التنازلي يقيس زمن الرحلة وأيضًا مدى صدق الإنسانية في زمن ازدواجية المعايير. فبينما ترفع السفن راياتها البيضاء، وترسل إشارات واضحة بأنّ وجهتها إنسانية بحتة، يُصرّ الاحتلال الإسرائيلي على التعامل معها كخطرٍ أمني، معلنًا عن تدريبات “كوماندوز” بحرية، واستعدادات لاعتراض الأسطول بالقوة. هذه المفارقة وحدها تكفي لتصوير التوتر بين من يسعى لإيصال الغذاء والدواء، ومن يُعدّ لعملية عسكرية لمنعها، في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان سوابق دموية، كان أشهرها الاعتداء على سفينة “مرمرة” عام 2010.

 

الأسطول الذي يضم أكثر من 50 سفينة ويشارك فيه نحو 500 ناشط من 40 دولة، يمثل أكبر تحرك مدني منسّق منذ سنوات لكسر الحصار المفروض على غزة منذ 18 عامًا. ورغم التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، لم تتراجع القافلة، بل أعلنت أنها “ستمضي حتى النهاية”، لتصبح أشبه بـ”شاهد متحرك على عجز المجتمع الدولي” عن حماية أبسط حقوق الإنسان في الوصول إلى المساعدات. هذا الإصرار على المضيّ قُدمًا يجعل من رحلة السفن رسالة مزدوجة: تضامن عملي مع الفلسطينيين، واحتجاج رمزي على صمت العالم.

في المقابل، لا تتعامل تل أبيب مع هذه المبادرة كمجرد حدثٍ إنساني، وإنما كـ”اختبارٍ سياسي وأمني”، إذ تحاول أن تفرض سرديتها بأن أي محاولة لكسر الحصار تمثل خرقًا لما تسميه “منطقة قتالية نشطة”، متجاهلة أن القانون الدولي يمنح القوافل الإنسانية حماية خاصة. وهكذا، تتقاطع إرادة القمع مع تواطؤ الصمت الدولي، ليُطرح مجددًا السؤال الذي يلاحق ضمير العالم منذ عقود: هل بات إنقاذ الأرواح فعلًا محرّمًا؟

ومع اقتراب موعد الوصول، يتحوّل كل تصريح وكل خطوة بحرية إلى عنوانٍ لاختبار الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. فإذا سمح الاحتلال بمرور السفن، ستكون سابقة نادرة في الاعتراف بحق غزة في الحياة، أما إذا واجهها بالقوة، فسيُثبت للعالم أن “الحصار لم يعد طوقًا جغرافيًا، بل حالة أخلاقية تحاصر العالم نفسه”. بهذه الخلفية، يدخل المجتمع الدولي في سباق مع الزمن، بين منطق المرافئ المفتوحة ومنطق البنادق المصوّبة.

 

على بُعد ثلاثة أيام من الحقيقة… العالم في مواجهة مرآته

أسطول الصمود يقترب من منطقة "عالية المخاطر" | أخبار | الجزيرة نت

ومع كل ميلٍ يقطعه أسطول الصمود نحو سواحل غزة، تتضح أكثر ملامح المواجهة المقبلة بين “إرادة الحياة” و”عقيدة الحصار”. فبعد أن فشلت كل الأعذار الدبلوماسية، وكل محاولات تبرير الحصار تحت ذريعة الأمن، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام مرآة ضميره: ثلاثـة أيام فقط تفصل العالم عن لحظة اختبارٍ حقيقي، لا لمواقف الحكومات فحسب، بل للمنظومة الحقوقية بأكملها. فهل ستبقى المواثيق الدولية مجرّد حبرٍ على ورق، أم ستتحوّل إلى فعلٍ يُلزم من يرفعون راية القانون الإنساني؟

إن اقتراب الأسطول لا يختبر فقط استعداد الاحتلال لاستخدام القوة، بل يكشف أيضًا مدى استعداد العالم لكسر صمته. فالمشهد هذه المرة لا يحتمل التأويل: سفن مدنية، رايات سلام، وإمدادات إنسانية معلنة. ومع ذلك، تُعامل كما لو كانت تهديدًا عسكريًا. هذه المفارقة تُعيدنا إلى جوهر الأزمة: حين تتحوّل القوانين إلى أدوات تبريرٍ لاحماية، وحين يُصبح العمل الإنساني نفسه جريمة في نظر من يحتكر القوة.

وإذ تتجه الأنظار إلى سواحل غزة، يتقاطع الميدان البحري مع ساحة الضمير العالمي. فكل خطوة من الأسطول تقيس المسافة بين الشعارات والواقع، بين ما يعلنه المجتمع الدولي من التزامات، وما يمارسه حين تُختبر تلك الالتزامات على أرض الحقيقة. فالعالم الذي سمح بحصار دام 18 عامًا يُستدعى اليوم إلى جلسة محاكمة أخلاقية لا تُصدرها محكمة، بل تصوغها الوقائع على أمواج البحر.

وهكذا، تتحوّل الساعات المتبقية إلى عدٍّ عكسيٍ للثقة: ثقة الشعوب في قدرة القانون الدولي على حمايتها، وثقة النشطاء في جدوى المقاومة السلمية، وثقة غزة في أن الإنسانية لا تزال حية. فإما أن يُفتح الممر أمام السفن، فتُكتب سطور أمل جديدة في سجل النضال الإنساني، أوتُغلق الموانئ بالمدافع، فيسقط القناع عن عالمٍ لم يعد يملك حتى شجاعة الإنصات لنداء الضمير.

 

 الاحتلال يستنفر… والبحر يتحول إلى ساحة اختبار أخلاقي

ومع اقتراب لحظة الوصول، بدأت المعركة الصامتة فوق الأمواج تتخذ ملامحها الأولى. فبينما يرفع أسطول الصمود راياته البيضاء محمّلاً بالمساعدات، يردّ الاحتلال بحالة استنفار قصوى، مستعدًا لاستخدام القوة “إن لزم الأمر”، وكأن قوافل الإغاثة جيوش غزو. هذا التحشيد العسكري، الذي ترافقه مناورات لوحدات الكوماندوز البحرية، يُبرز حجم التناقض بين من يملك القوة ومن يمتلك الحجة الإنسانية. فالمعركة هنا ليست على الأرض، بل في الوجدان العالمي: هل يظل الحصارهو اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم؟

هذه الاستعدادات الإسرائيلية، التي تزامنت مع رفع مستوى التأهب في المستشفيات تحسبًا لأي “مواجهات محتملة”، تكشف بوضوح أن الاحتلال لا ينظر إلى القافلة كمسعى إنساني، بل كـ”استفزاز سياسي”، رافضًا أي مبادرة لا تمر عبر موانئه. لكن ما يُغفله هذا المنطق أن الحصار نفسه أصبح تهمة، وأن مقاومته بالوسائل السلمية فعل مشروع تكفله القوانين الدولية. فحين يُمنع الماء عن الظمآن باسم الأمن، تُسقط تلك الذريعة كل أقنعة الشرعية.

وفي المقابل، لا تُخفي تل أبيب قلقها من البُعد الرمزي لهذه القافلة. فـ”أسطول الصمود” ليس مجرد شحنات غذاء، بل رسالة ضميرٍ عابرة للحدود، تجمع بين نشطاء من 40 دولة، يمثلون طيفًا واسعًا من الأصوات التي ترفض ازدواجية المعايير. ومن هنا، يخشى الاحتلال أن يتحوّل المشهد البحري إلى منصة إدانةٍ علنية تكشف عن عزلته الأخلاقية.

وبينما تُبحر السفن بخطى ثابتة على بُعد مئات الكيلومترات، تتجه أنظار الشعوب إلى البحر الأبيض المتوسط، لا بوصفه ساحة مواجهة عسكرية، بل كمسرحٍ لمعركةٍ أعمق: معركة تعريف الإنسانية في زمنٍ تتقاطع فيه القوة مع العدل، وتُختبر فيه شجاعة العالم أمام سفن لا تملك سوى الأمل.

 

الضمير الدولي على المحك… ثلاثة أيام تفصل عن لحظة الحقيقة

توقعات بالتئام أسطول الصمود العالمي خلال يومين في المتوسط | أخبار | الجزيرة  نت

ومع اشتداد موجات الترقب، يتجه العالم نحو اختبار أخلاقي غير مسبوق، إذ لم يعد الحديث عن “أسطول الصمود” مجرد متابعة إخبارية، بل مواجهة صريحة بين القيم والمصالح. فبعد ثلاثة أيام فقط، ستجد القوى الكبرى والمؤسسات الحقوقية نفسها أمام سؤال لا يحتمل المواربة: هل تسمح بمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، أم تواصل الصمت أمام من يمنع الماء والدواء والغذاء عن المحاصرين؟ إنها “لحظة الحقيقة” التي ستكشف، كما قال مراقبون، إن كان القانون الدولي يُطبّق على الجميع أم يُعلَّق عند حدود الاحتلال.

لقد حوّل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 18 عامًا غزة إلى مختبرٍ للمعاناة، ومحرارٍ لقياس ازدواجية المعايير الدولية. وعلى الرغم من صدور عشرات التقارير الأممية التي وصفت القطاع بـ”المنطقة غير الصالحة للحياة”، فإن المجتمع الدولي ظلّ يكتفي بالتصريحات، تاركًا أكثر من مليوني إنسان في مواجهة الموت البطيء. واليوم، يعيد اقتراب “أسطول الصمود” تسليط الضوء على هذه المأساة، ويضع المجتمع الدولي أمام مرآة تعكس تقصيره المزمن.

إن السماح بوصول القافلة إلى شواطئ غزة سيُسجَّل كخطوة رمزية كبرى في مسار استعادة الإنسانية لهيبتها، بينما اعتراضها بالقوة سيُكرّس سقوط الأخلاق أمام منطق القوة. فالمعادلة باتت واضحة: من يقف إلى جانب القانون والرحمة، ومن يختبئ خلف مبررات الأمن والسياسة؟ ثلاث أيام فقط كفيلة بأن تحدد الإجابة. وفي ظل هذا العدّ التنازلي، تتصاعد الأصوات المطالبة بتحرك عاجل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية لضمان مرور القافلة بسلام، وتوفير حماية دولية للناشطين المشاركين على متنها. فكل صاروخ يُوجَّه نحو هذه السفن لن يُسقط أجسادًا فحسب، بل سيسقط معه ما تبقّى من ثقة الشعوب في المنظومة الدولية.

 

الاحتلال يلوّح بالقوة… والمجتمع الدولي يراقب في صمت

تحدٍ بحري جديد للاحتلال: “أسطول الصمود” يبحر إلى غزة

وفي مقابل هذا السباق مع الزمن، يرفع الاحتلال منسوب التهديدات، مستنفرًا وحداته البحرية الخاصة استعدادًا لـ“السيطرة على السفن” في عرض البحر، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أحداث أسطول الحرية عام 2010 حين سالت الدماء بدل أن تصل المساعدات. إن اللجوء المبكر إلى لغة السلاح بدل لغة القانون يكشف أن الكيان الصهيوني لا يرى في “أسطول الصمود” قافلة إنسانية، بل تهديدًا لاحتكاره السردية أمام العالم، وفضحًا لحقيقة حصارٍ يتناقض مع أبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.

وفي المقابل، يلتزم المجتمع الدولي صمتًا ثقيلًا أمام هذه التهديدات، وكأن مصير أكثر من 500 ناشط من 40 دولة لا يعنيه. فحتى الآن، لم تصدر مواقف حازمة من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لتأمين ممر آمن للأسطول، بل اكتفت بعض العواصم الغربية بدعوات “التهدئة” التي تساوي بين الضحية والجلاد. هذا الصمت، الذي بات عادة في كل محطة إنسانية، يحوّل التواطؤ إلى قاعدة، ويضع المنظومة الأممية على محك المصداقية مجددًا.

وبينما يختبئ الاحتلال وراء مزاعم “الاعتبارات الأمنية”، يصرّ المنظمون على أن وجهتهم الوحيدة هي شواطئ غزة، وأن حمولة السفن لا تتعدى مواد الإغاثة الأساسية. ومع كل ميلٍ تقطعه القافلة، يتسع الشرخ بين من يؤمنون بأن البحر يجب أن يبقى طريقًا للحياة، ومن يرونه حائطًا عسكريًا يمنع الهواء والماء عن المحاصرين.

 

 

3 أيام تفصل العالم عن امتحان الضمير

ومع كل ساعة تمرّ، يضيق الهامش الفاصل بين التهديد والفعل، وبين الاختبار الأخلاقي والاستسلام للصمت. فالعالم اليوم أمام “عدٍّ تنازليٍّ للضمير الإنساني”، حيث لم يعد السؤال: هل تصل السفن؟ بل: هل ما زال للإنسانية وزن في معادلات السياسة؟ ثلاث أيام فقط تفصل المجتمع الدولي عن لحظة فارقة، سيُكتب فيها إما أنه دافع عن مبدأ، أو أنه انحاز مرة أخرى إلى منطق القوة.

إن “أسطول الصمود” لم يعد مجرد قافلة محملة بالمساعدات، بل تحول إلى اختبار رمزي للمنظومة الحقوقية بأكملها. فالسماح له بالوصول سيعني انتصار القانون الدولي الإنساني، وإثبات أن العالم لم يفقد بعد قدرته على حماية القيم التي نادى بها في كل مؤتمراته. أما منعه، أواعتراضه بالقوة، فسيكرّس واقعًا أكثر قتامة عنوانه “ازدواجية المعايير” التي لطالما مزقت الثقة بين الشعوب ومؤسساتها الأممية.

ولعل رمزية هذا الامتحان تتجاوز الحدود الفلسطينية لتطال الضمير العالمي برمّته، إذ لم يعد الصمت خيارًا مقبولًا أمام حصار يطوي عامه الثامن عشر، ويتحول يوماً بعد يوم إلى نموذج صارخ للإفلات من العقاب. فالسكوت عن قمع هذه القافلة لن يكون مجرد تقاعس، بل مشاركة ضمنية في استمرار المأساة التي يعيشها مليونا إنسان في قطاع محاصر.

وفي النهاية، يبقى البحر وحده شاهدًا على رحلة تبحث عن مرفأ للكرامة، وعلى عالمٍ ما زال يتردّد بين نصرة المظلوم أو تبرير ظلمٍ مكشوفٍ أمام العيان. ومع اقتراب لحظة الحقيقة، تتجه الأنظار إلى عرض المتوسط، حيث تختبر السفن – ومعها الضمائر – إن كانت العدالة ما تزال تملك فرصة للإبحار.