لم تكن سنة 2022 سوى استكمال لمعركة علمية وطبية ضد الأمراض والفيروسات التي تهدد سكان العالم. فلم يهدأ الباحثون والعلماء من مواصلة تجاربهم لكبح جموح فيروسات وأمراض أنهكت البشرية وما زالت من الأسباب الرئيسية للوفاة حول العالم.
فلم يكن عام 2022 سهلاً، ومع ذلك، نجحت بعض الإنجازات الطبية والأبحاث العلمية من اختراق جدار اليأس وكتابة الأمل في عالم الصحة.
إليكم أبرز الإنجازات الطبية التي طبعت بصمتها في أجندة هذا العام:
أول دواء من نوعه لعلاج ارتفاع ضغط الدم المستعصي:
توصل باحثون من “جامعة كوين ماري” في لندن وزملاؤهم في شركة الأدوية الأميركية “سينكور” إلى طريقة تتصدى لحالات ارتفاع ضغط الدم التي استعصى علاجها سابقاً.
وتبين خلال تجربة سريرية أن المرضى الذين تناولوا دواء جديداً شهدوا انخفاضاً كبيراً في مستوى ضغط الدم، بعدما أخفقت أدوية تقليدية أخرى في تحقيق ذلك.
وتحقق الباحثون مما إذا كان دواء “باكسدروستات” سينفع المرضى. ويعمل الدواء عن طريق منع الجسم من إنتاج “الألدوستيرون”، وهو هرمون يساعد على تنظيم كمية الملح في الجسم.
وأعطى الباحثون نحو 248 مريضاً يعانون ارتفاع ضغط الدم “المقاوم للعلاج” دواء وهمياً من جهة وجرعات مختلفة من “باكسدروستات” لمدة 12 أسبوعاً.
وأظهرت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا أعلى جرعة من الدواء شهدوا انخفاضاً في مستوى ضغط الدم لديهم بمقدار 20 نقطة.
ونسبت مجلة “الاندبندنت” إلى البروفسور موريس براون، الباحث المشارك في الدراسة المتخصص في ارتفاع ضغط الدم الناجم عن قصور الغدة الدرقية، قوله إن هذا الدواء هو المنتج الأول من نوعه الذي يؤدي إلى نتائج مدهشة. مع ذلك، لا بد من النهوض باختبارات إضافية قبل إجراء مقارنات مع أي أدوية متوافرة أخرى.
اكتشاف مذهل.. علاج الاكتئاب يغير بنية الدماغ
اعتقد العلماء منذ عقود أن بنية الدماغ عند البالغين ثابتة ولا تتغير بسرعة، ولكن بحثاً جديداً أثبت العكس. إذ وجد علماء ألمان أن علاج مرضى الاكتئاب قد يزيد من الاتصالات العصبية في الدماغ.
ويقصد بالاتصال العصبي في الدماغ أو الاتصالات العصبية- الروابط التشريحية بين أجزاء الدماغ، والتفاعلات بين الخلايا والأجزاء داخله.
درس الباحثون أدمغة 109 مرضى يعانون من اضطراب اكتئابي، وقارنوها مع أدمغة 55 شخصاً لا يعانون من المرض، حيث صوروا أدمغتهم باستخدام الرنين المغناطيسي لمعرفة أجزاء الدماغ التي تتصل مع بعضها بعضاً لتحديد مدى الاتصال العصبي في الدماغ.
وقام الباحثون بعد ذلك بعلاج مرضى الاكتئاب إما باستخدام الصدمات الكهربائية، وإما بالعلاج النفسي وإما بالأدوية، وأحياناً بدمج أكثر من طريقة للعلاج، ثم بعد ذلك قاموا بإعادة تصوير أدمغتهم ودراسة الترابط العصبي فيها بعد العلاج، كما قاموا بإعادة تقييم أعراض الاكتئاب مرة أخرى.
وقال البروفيسور ريبل إنهم وجدوا أن علاج الاكتئاب قد قام بتغيير بنية الدماغ، وهو ما يعارض كل التوقعات السابقة، إذ إن المرضى الذين تلقوا العلاج أظهروا عددا أكبر من الاتصالات العصبية عما كان لديهم قبل البدء به.
أول دواء يُبطئ تدهور الدماغ لدى مرضى الزهايمر
بعد سنوات من التجارب والأبحاث، ثمّة أخبار مفرحة، قد تغيّر نظرة البشر إلى المرض المؤلم المعروف بالزهايمر، الذي يُفقد الإنسان أعظم ما لديه من معرفة وذاكرة ومنطق، إذ أظهر دواء اكتُشف حديثاً قدرته على إبطاء تدهور الدّماغ لدى المصابين بالزهايمر، ما حدا بالبعض إلى وصف الإنجاز بالتاريخيّ.
بناءً عليه، من المفترض أن يُنهي هذا الاختراق العلميّ سنوات من الفشل الميدانيّ، وأن يُظهر أنّ مرحلة جديدة من التعاطي مع المرض الفتّاك ذهنيّاً بدأت تلوح في الأفق.
وكانت دراسة جديدة أظهرت كيف يُبطئ عقار تجريبي يُسمّى Lecanemab التدهور العقليّ للمصابين في المرحلة الأولى، ما يحول دون استفادة الحالات المتقدّمة من الإنجاز، وفق ما نشر موقع BBC.
ويعمل الدواء على مهاجمة بيتا الأميلويد التي تتراكم في أدمغة الأشخاص المصابين بالزهايمر. وفي ظلّ الخيبات المتتالية في عالم الأبحاث والطب، يرى البعض أن نتائج هذه التجربة السريرية قد تكون نقطة تحوّل في هذ المجال، حيث أشاد العلماء بالاكتشاف باعتباره علامة فارقة في المعركة المستمرّة للتغلّب على المرض.
أمل واعد للمكفوفين… تطوير قرنية عين مصنوعة من جلد الخنزير!
كشفت دراسة جديدة، قادها فريق من جامعة لينشوبينغ السويدية ، أن باحثين تمكّنوا من تطوير قرنية عين مصنوعة من بروتين الكولاجين تم استخراجها من جلد الخنزير، بإمكانها القيام بالوظائف عينها التي تقوم بها القرنية البشرية.
في الدراسة التي تم نشرها في مجلة ” Nature Biotechnology” العلمية، نجح الباحثون خلال تجربة سريرية من إعادة البصر لـ20 شخصاً مصابين بمرض في القرنية، من بينهم 14 مشاركاً كانوا قد فقدوا النظر بشكل كلي قبل خضوعهم لزراعة القرنية الاصطناعية.
القرنية البشرية تتكوّن بشكل أساسي من بروتين الكولاجين، لذلك، استخدم الباحثون جزيئات الكولاجين المشتقة من جلد الخنزير الذي تم تنقيته لتركيب قرنية بديلة.
وفق الدراسة، إن سهولة الوصول إلى كميات كبيرة من جلد الخنزير تشكّل إفادة اقتصادية كبيرة لخفض تكلفة العلاج.
في السياق، أوضح أستاذ في قسم العلوم الطبية الحيوية والسريرية في جامعة ليو نيل لاغالي أن “النتائج تُظهر أنه من الممكن تطوير مادة حيوية تلبّي جميع معايير الاستخدام كالقرنية بشرية، ويُمكن إنتاجها بكميات كبيرة وتخزينها لمدة تصل إلى عامين وبالتالي الوصول إلى المزيد من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الرؤية”.
ولغاية اليوم لا يوجد أي علاج آخر لحل هذه المشكلة إلا بوجود متبرع بشري. لكن واحداً فقط من كل 70 مريضاً يخضع لعملية زرع القرنية.
شفاء أول امرأة في العالم من الفيروس المسبّب للإيدز
قال باحثون إن مريضة أميركية مصابة بسرطان الدم أصبحت أول امرأة وثالث شخص على الإطلاق يتعافى من فيروس إتش.آي.في المسبّب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) عقب خضوعها لعملية زراعة خلايا جذعية من متبرع.
من جهتها، قالت شارون ليوين، الرئيسة المنتخبة لجمعية “الإيدز الدولية” في بيان إن التقرير “يؤكّد أن علاج فيروس إتش.آي.في ممكن ويتعزّز بشكل أكبر باستخدام العلاج الجيني كاستراتيجية قابلة للتطبيق لعلاج هذا الفيروس”، لكنّها أوضحت أن عمليات زرع نخاع العظم ليست استراتيجية قابلة للتطبيق لعلاج أغلبية المصابين بالفيروس.
وأضافت أن “حالة هذه المرأة تشير إلى أنه إذا نجح العلماء في أن يجعلوا الخلايا تقاوم فيروس إتش.آي.في فلن يعود مجدّداً”، لكنها أشارت إلى أن العلماء سيفعلون ذلك بانتهاج أساليب أخرى غير زراعة الخلايا الجذعية.
وتمّت الاستعانة في حالة هذه المرأة لأول مرّة بدم الحبل السري وهو أسلوب علاجي جديد قد يجعل العلاج متاحاً لعدد أكبر من المرضى.
ومنذ تلقيها دم الحبل السري لعلاجها من اللوكيميا النخاعية الحادة، وهو سرطان يبدأ في الخلايا المكونة للدم في نخاع العظم، كانت أعراض الإيدز خامدة لدى المرأة وشفيت من الفيروس طوال 14 شهراً، دون الحاجة إلى العلاجات القوية لفيروس إتش.آي.في والمعروفة باسم العلاجات المضادة للفيروسات الرجعية.
وحدثت الحالتان السابقتان للشفاء بين الذكور، أحدهما أبيض والآخر لاتيني، بعد تلقيهما خلايا جذعية بالغة وهو أسلوب أكثر استخداماً في عمليات زرع نخاع العظام.