تعيش الجزائر هذه الأيام أجواء احتفالية استثنائية، استثنائية الحدث المتمثل في مرور 63 سنة من الاستقلال، سجلت خلالها الرياضة الوطنية الكثير من الانجازات صنعها أبطال تركوا بصماتهم واضحة في تاريخ المحافل الدولية، آخرها البطولة العالمية للجمباز، حيث توجت “الفراشة” كيليا نمور بميداليتين ذهبيتين، وهي التي دوّى بفضلها النشيد الوطني في سماء العاصمة الفرنسية بمناسبة أولمبياد باريس شأنها شأن الملاكمة إيمان خليف، كما تمكن جمال سجاتي من انتزاع ميدالية برونزية في ألعاب القوى.
وأنهت الجزائر مشاركتها في دورة باريس في المركز 39، بعد نيلها ميداليتين ذهبيتين وبرونزية. ويعتبر هذا الحضور الأفضل منذ أولمبياد أتلانتا 1996 بالولايات المتحدة الأمريكية، أين احتلت بلدنا المركز 34 عالميا.
وبفضل الميداليات الأولمبية الثلاث، التي حققتها كل من الجمبازية كيليا نمور والملاكمة إيمان خليف والعداء جمال سجاتي، ارتفع حصاد الجزائر في سجل مشاركاتها في المحفل الأولمبي إلى مجموع 20 ميدالية (7 ذهبيات، 4 فضيات، 9 برونزيات).
وبالعودة إلى التاريخ، فبعد أربع مشاركات متتالية في الألعاب الأولمبية، شهدت خروج الوفد الجزائري خالي الوفاض، حملت النسخة الـ 23، عام 1984 في لوس أنجليس الأمريكية، أول ميدالية جزائرية في تاريخ هذه التظاهرة الرياضية، عن طريق الملاكم مصطفى موسى ضمن الوزن المتوسط، وفي التخصص نفسه والنسخة نفسها، أهدى الملاكم محمد زاوي للجزائر برونزية أخرى.
وعقب مشاركة سلبية أخرى في نسخة سيول الكورية عام 1988، عادت الجزائر لتحصد الميداليات في دورة برشلونة سنة 1992، وشهدت أول ذهبية في تاريخ البلد، عن طريق العداءة حسيبة بولمرقة في تخصص 1500 متر. وفي تلك الدورة، حقق الملاكم الراحل حسين سلطاني ميدالية برونزية، ضمن تخصص وزن الريشة.
وواصل الملاكم الراحل حسين سلطاني تألقه في الألعاب الأولمبية، وهذه المرة في دورة أتلانتا الأمريكية سنة 1996 عندما حقق الميدالية الذهبية، وشهدت النسخة نفسها ذهبية عن طريق العداء الكبير نور الدين مرسلي، ضمن سباق 1500 متر، كما حقق الملاكم محمد بحاري ميدالية برونزية في الوزن المتوسط. أما في أستراليا، فقد شهدت مدينتها سيدني عام 2000 أفضل مشاركة في تاريخ الأولمبياد بالنسبة للرياضة الجزائرية، بحصاد خمس ميداليات، جاءت عن طريق المتسابقة نورية بنيدة مراح في سباق 1500 متر سيدات، وفضية بواسطة علي سعيدي سياف في سباق 5000 متر، وبرونزية سعيد قرني جبير في سباق 800 متر، وبرونزية أخرى عن طريق الملاكم محمد علالو في الوزن الخفيف، وبرونزية ثالثة في منافسات القفز العالي، حققها عبد الرحمن حماد، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية حالياً.
وبعد ظهور كارثي في دورة أثينا اليونانية عام 2004، عادت الرياضة الجزائرية للظهور، لكن بوجه ضعيف في أولمبياد بكين الصينية سنة 2008، ضمن منافسات الجيدو، حيث حقق عمار بن يخلف الميدالية الفضية، ونالت صوريا حداد البرونزية، إلى أن جاء موعد تحقيق الذهب، لكن في دورة لندن 2012، بواسطة العداء توفيق مخلوفي ضمن سباق 1500 متر. وعاد توفيق مخلوفي للتألق مجدداً بعد أربع سنوات، في ريو دي جانيرو البرازيلية، بفضيتين في سباقي 1500 متر و800 متر، وهما آخر ميداليتين للجزائر في الألعاب الأولمبية قبل دورة باريس وذلك بعد الخروج بـ “صفر” ميدالية في نسخة طوكيو 2020، وحينها أرجع بعض الرياضيين والمسؤولين سبب هذه المشاركة السيئة، إلى نقص التحضيرات وغلق المرافق، بسبب التدابير الوقائية لمواجهة جائحة كورونا في تلك الفترة.
…1968 انطلاق مشروع النهوض
وانطلق مشروع النهوض بالرياضة الجزائرية منذ الاستقلال، وفي عام 1968 تأهلت الجزائر لأول مرة في تاريخها لكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، غير أن الانطلاقة الحقيقية كانت في السبعينيات من خلال “الإصلاح الرياضي” الذي أقره الرئيس الراحل هواري بومدين في 1977 والذي أعطى دفعة قوية للرياضيين ووضع الرياضة الوطنية على الدرب الصحيح.
فبمجيء جمال الدين حوحو على رأس وزارة الشباب والرياضة في 1977، عرف هذا القطاع إصلاحات عميقة طالت الهياكل القديمة الموجودة حينها، وقد كان من أهم الإجراءات المتخذة إدماج الرياضة في المنظومة الاقتصادية وتقسيم الجمعيات الرياضية إلى بلدية هاوية وأخرى من مستوى عالي تدعى نوادي النخبة.
وكانت الجمعيات الهاوية خزانا للرياضة الجماهيرية، حيث تكفلت بها البلديات أو هياكل حكومية من مختلف القطاعات، في حين أن الجمعيات الرياضية لنوادي النخبة أشرفت عليها كبريات الشركات الوطنية كسوناطراك والشركة الوطنية للتعدين والشركة الوطنية للملاحة البحرية وشركة الحديد والصلب.
تراجع مريب
وبما أنه لم تكن هناك حينها علاوات التوقيع على العقود، فقد كان يتم إدماج الرياضيين في المؤسسة ويستفيدون من تكوين مهني مناسب من أجل الحصول على مشوار مهني وضمان المستقبل، وفي ذات السياق فرض على الجمعيات النخبوية فتح مدارس والقيام بأفضل الاستثمارات لصالح الفئات الشابة.
وعلى الرغم من النتائج المشجعة التي خرجت بها هذه الإصلاحات في الموسم الموالي، إلا أن هذه السياسة تم التخلي عنها غداة أحداث أكتوبر 1988 مما أدى إلى تراجع منظومة الرياضة الوطنية.
وكانت كرة اليد وبدون منازع الرياضة المسيطرة بسبع بطولات إفريقية فازت بها التشكيلة الجزائرية (رجال) أعوام 1981 و1983 و1985 و1987 و1989 و1996 و2014، دون نسيان عشرات التتويجات لمختلف النوادي الجزائرية في رابطة الأبطال وكأس إفريقيا الفائزة بالكؤوس والكأس الإفريقية الممتازة والكأس العربية للأندية البطلة.
ومن جانبها، تحصي التشكيلة الجزائرية لكرة القدم كأسين إفريقيتين للأمم، الأولى في 1990 بالجزائر بفضل جيل ذهبي من اللاعبين على غرار رابح ماجر ولخضر بلومي وصالح عصاد والثانية في 2019 بمصر بفضل جيل آخر من اللاعبين الممتازين كرياض محرز ويوسف بلايلي.
وفازت الجزائر أيضا بالكأس الآفرو- آسياوية على حساب إيران في 1991، وتأهلت لكأس العالم أربع مرات، في 1982 بإسبانيا و1986 بالمكسيك و2010 بجنوب إفريقيا و2014 بالبرازيل، كما توجت بكأس العرب في 2021.
ولم تخرج بدورها كرة القدم العسكرية عن القاعدة، حيث فازت الجزائر بالذهب في الكأس العالمية العسكرية في مناسبتين، الأولى بالبرازيل في 2011 والثانية بكوريا الجنوبية في 2015.
وأما بالنسبة للأندية فقد فازت الجزائر خمس مرات بالكأس الإفريقية للأندية البطلة (تسمى حاليا رابطة أبطال إفريقيا)، حيث توجت مولودية الجزائر بها في 1976 وشبيبة القبائل في 1981 و1990 ووفاق سطيف في 1988 و2014، بينما وصلت كل من مولودية وهران واتحاد الجزائر إلى النهائي في 1989 و2015 على التوالي.
وبالحصاد المشجع الذي عادت به البعثة الرياضية الجزائرية من أولمبياد باريس، بات طموح الجزائر مشروعا في التخطيط منذ الآن في طريقة الاعداد الجيد للنخبة الرياضية الوطنية من أجل تحقيق نتائج أحسن في الدورة الأولمبية المقبلة (لوس انجلس 2028)، بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها في بعض الاختصاصات.
ب\ص

