يتعرض صوت الإنسان للتغير لأسباب عدة، منها تغيرات فسيولوجية، وأخرى مرضية، وثالثة بسبب تأثيرات بيئية أو ذات صلة بالسلوكيات في الحياة اليومية.
والأسباب المرضية منها ما له علاقة بأمراض عضوية في الحنجرة أو أماكن أخرى من الجسم، ومنها ما له علاقة بالجوانب العقلية والجهاز العصبي. وبعض هذه التغيرات في الصوت قد تكون آنية ومؤقتة، وبعضها الآخر قد يُصبح مزمناً. ومنها ما يزول بمعالجات موضعية في السبيل الصوتي، ومنها ما يزول بمعالجة أجزاء أخرى في الجسم.
وإليك هذه الأسباب الستة للتغيرات التي تعتري الصوت:
1- مرحلة البلوغ: يتغير صوت الأولاد والبنات خلال فترة البلوغ لأن الجسم يمر بالعديد من التغيرات الهيكلية، التي تحصل تحت تأثير التغيرات الهرمونية. وأكثر الهرمونات التي تؤثر على صوت المراهقين والمراهقات هي الهرمونات الجنسية. والتستوستيرون هو هرمون ذكري، يبدأ لدى الأولاد في الزيادة خلال فترة البلوغ، ويتسبب في كبر نمو حجم صندوق الصوت في الحنجرة، ونزوله إلى أسفل، مع تضخم وتكاثف في الحبال الصوتية. وهرمون الإستروجين هو هرمون أنثوي يبدأ لدى البنات في الزيادة خلال فترة البلوغ. ويتسبب في صغر الزيادة في نمو حجم صندوق الصوت وترقق الأحبال الصوتية. وهما ما يتسببان بالاختلافات في الصوت بين الذكور والإناث بعد البلوغ.
2- التقدم في العمر: تحت عنوان «شيخوخة الصوت»، يقول الأطباء في «معهد شون باركر للصوت»، التابع لـ«وايل كورنيل الطبية» بنيويورك: «تقدم العمر يؤثر على جوانب متعددة من تشريح ووظيفة طيات الحبال الصوتية في الحنجرة. وضمور عضلة طيات الحبال الصوتية يشبه إلى حد كبير ضمور العضلات الموجودة في أماكن أخرى من الجسم. وتصبح الأنسجة المرنة المسؤولة عن اهتزاز الطيات الصوتية أثناء النطق، أضعف بنية وأكثر صلابة وأقل مرونة. كما أن الرعشة قد تعتري تراكيب الحنجرة، كما في رعشة اليدين، ما يتسبب في هشاشة وتذبذب صوت كبار السن.
3- أحماض المعدة: وصول أحماض المعدة إلى منطقة الحلق والحنجرة، سبب محتمل لحصول التهيج والالتهاب في طيات الحبال الصوتية، وبالتالي حدوث بحة في الصوت. ولأن تلك التراكيب في تلك المنطقة أكثر حساسية لحمض المعدة والأنزيمات الهاضمة، فإن وجود الكميات الصغيرة منها في هذه المنطقة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الضرر. ومن أمثلة ذلك الإصابة بـ “الارتجاع المعدي المريئي”، أو حالات استفراغ القيء، أو تكرار التجشؤ. وفي حالات الارتجاع المعدي المريئي، عادة ما يكون الصوت أسوأ في الصباح، ثم يتحسن أثناء النهار. كما قد يكون لدى هؤلاء الأشخاص إحساس بوجود كتلة أو مخاط في حلقهم ولديهم رغبة مفرطة في إزالته.
4- اضطرابات الغدة الدرقية: تُعد أمراض الغدة الدرقية واضطرابات وظائف الغدد الجار درقية، أكثر اضطرابات الغدد الصماء شيوعاً في التسبب باضطرابات الصوت. وحتى في حالات كسل الغدة الدرقية الخفيف، قد يحصل انخفاض الصوت، والخشونة، والتعب الصوتي. كما يمكن أن يكون سبب الخلل الصوتي هو زيادة إفراز هرمون الغدة الدرقية. والتغيير الأكثر شيوعاً هو تدني التردد الأساسي للصوت F0. وبحة الصوت، وخشونته، وفقدان الصوت، وارتعاش الصوت، وانخفاض شدة الصوت. كما أنه بعد جراحة الغدة الدرقية (لأي سبب) قد يحصل شلل العصب الحنجري الراجع أو العصب الحنجري العلوي، ويتأثر صوت المريض.
5- التهاب الحنجرة: يفيد أطباء جونز هوبكنز بأنه «عندما يحدث التهاب الحنجرة، تنتفخ الحبال الصوتية، أسوة بأي تورم في الأنسجة الملتهبة، ما يجعل الصوت أجش، أو قد يزول الصوت ولا يكون المرء قادراً على التحدث على الإطلاق. ويحدث التهاب الحنجرة الحاد فجأة، وغالباً بسبب وجود فيروس في الجهاز التنفسي العلوي، كنزلات البرد. كما يمكن أن تحصل إصابات مؤثرة في طيات الحبال الصوتية، عند استخدام الصوت بشكل مرهق أثناء نوبة التهاب الحنجرة الحاد. والعلاج هو إعطاء راحة للصوت وشرب الكثير من السوائل. وغالباً ما تستمر الحالة بضعة أسابيع فقط.
6- إجهاد الحبال الصوتية: “الإساءة الصوتية” أحد الأسباب الرئيسية لتغيرات الصوت هو عدم استخدام قدرة إصدار الصوت برفق وطريقة صحيحة. وذلك مثل التحدث بنبرة حادة وصوت عالٍ في المواقف الصاخبة، والإفراط في الاستخدام دون إعطاء راحة للحنجرة، واستخدام الهاتف مع وضع الهاتف على الكتف، واستخدام طبقة صوتية غير مناسبة (عالية جداً أو منخفضة جداً) عند التحدث. ولكن ليست تلك هي فقط مظاهر الإساءة الصوتية، بل هي أي سلوك يؤدي إلى إجهاد أو تضرر طيات الحبال الصوتية. وقد يشمل ذلك الإفراط في تنظيف الحلق، أو السعال، أو استنشاق المواد المهيجة، أو التدخين. ويمكن أن تؤدي الإساءة المتكررة للصوت وسوء الاستخدام، إلى إتلاف الطيات الصوتية والتسبب في تغييرات مؤقتة أو دائمة في الوظيفة الصوتية وجودة الصوت وفقدان محتمل للصوت.
صوت الحنجرة… ثلاث مناطق تعمل معاً
يُصدر الإنسان من الفم نوعين من الأصوات. الأول هو «صوت الحنجرة” ، الذي يشمل التحدّث والغناء والضحك والبكاء والصراخ والطنين والأنين. والآخر أصوات أخرى تصدر من الفم، ولا علاقة لها بالحنجرة، كالصفير وجرش الأسنان وغيره. ويمكن تقسيم آلية توليد الصوت البشري إلى ثلاثة أجزاء، وتسمى أجهزة النطق ، وهي:
– أجهزة دفع الهواء: وأساسها الرئتان، «المضخة» التي يجب أن يُكدّس الهواء فيها، وعليها أن تنتج تدفقاً وضغطاً هوائياً يخرج عبر الحنجرة، وذلك بفعل ضبط حركات عضلات القفص الصدري والرقبة والحجاب الحاجز.
– أجهزة الصوتيات: وهي الممر الذي ينتج الصوت من خلال مرور هواء الزفير عبره. وتشمل الطيات الصوتية داخل الحنجرة “صندوق الصوت”، التي تهتز باستخدام تدفق الهواء من الرئتين، لتوليد نبضات مسموعة، تشكل مصدر الصوت الحنجري. و«صوت الحنجرة» يصدر باستخدام ما يُعرف بـ«السبيل الصوتي” وفيه تكون الطيات الصوتية (الحبال الصوتية) مصدر الصوت الأساسي. وتقوم عضلات الحنجرة بضبط طول وشد الطيات الصوتية من أجل «ضبط» طبقة الصوت وتناغمها. وبشكل عام، يكون صوت الذكر أعمق، مع نغمات أقل، بسبب الحبال الصوتية السميكة (بين 17 و25 ملم في الطول لدى الرجال، مقابل 12 و17 ملم لدى النساء).
– أجهزة التعبير الصوتي: وهي أجزاء السبيل الصوتي ما فوق الحنجرة (المفصلات المكونة من اللسان والحنك والخد والشفتين والأسنان). وهي التي تقوم بتوضيح وتصفية الصوت الصادر من الحنجرة، ويمكنها إلى حد ما التفاعل مع تدفق الهواء الحنجري لتقويته أو إضعافه. وطيات الحبال الصوتية، جنباً إلى جنب مع المفصلات، قادرة على إنتاج مصفوفات صوتية شديدة التعقيد. ويمكن تعديل نبرة الصوت لكي توحي بمشاعر، مثل الغضب أو المفاجأة أو الخوف أو السعادة أو الحزن. ويستخدم الصوت البشري للتعبير عن المشاعر، ويمكن أن يكشف أيضاً عن عمر وجنس المتحدث.
ق. م