لأن عمر معرفتنا بالعلاقة فيما بين السمنة وعمق التدهور الصحي عند الإصابة بكوفيد – 19 هو عمر قصير نسبياً، أي بضعة أشهر، فإن الباحثين الطبيين يُشيرون إلى أن السبب أو الأسباب التي تجعل السمنة عامل خطر معين هي بالفعل غير مفهومة اليوم بالكامل، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث.
ولكن من مجمل الدراسات الطبية السابقة حول السمنة وتأثيراتها على الجهاز التنفسي وفي حالات الإصابة بالأمراض الفيروسية والبكتيرية للجهاز التنفسي، ومن مجمل الملاحظات الإكلينيكية الحالية لدى الأطباء الممارسين اليوم فعلياً معالجة حالات كوفيد _ 19، ثمة أربعة جوانب محتملة لتلك العلاقة، وهي:
– جانب العامل الفيزيائي المتعلق بكيفية عمل الحجاب الحاجز في عملية التنفس في الحالات الطبيعية وحالات الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي لدى الأشخاص المُصابين بالسمنة.
– جانب العامل المناعي المتعلق بالتأثيرات المحتملة للسمنة على عمل الجهاز المناعي بالجسم.
– جانب عامل الاضطرابات الكيميائية والأيضية في الجسم.
– جانب الاستجابة والتأثير العلاجي ومدى إعاقة السمنة لنجاح خطوط المعالجة الدوائية والمعالجات التدخلية لمرضى كوفيد – 19. وأيضاً تدني مستوى الاستجابة لتلقي اللقاح الخاص في حالات الأمراض الميكروبية الأخرى.
ووفق ما تشير إليه الدراسات الطبية السابقة، وما يؤكده الباحثون من جامعة كمبريدج بقول ما ملخصه: “هناك أدلة قوية تشير إلى أن الدهنية الزائدة تؤثر سلباً على وظيفة المناعة وقدرات التغلب على الميكروبات لدى الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة. وتتميز السمنة بحالة التهاب مزمن منخفض الدرجة، بالإضافة إلى مستويات مضطربة من العناصر الغذائية (كسكر الغلوكوز) المتداولة فيما بين أجزاء الجسم، واضطرابات في مستويات الهرمونات الأيضية. وتشير الدراسات والإحصائيات الوبائية إلى أن الأشخاص البدناء هم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وعلى وجه الخصوص عدوى المستشفيات والعدوى الفيروسية. وتحديداً، تم التأكيد من خلال الدراسات الحديثة بأن السمنة هي عامل خطر مستقل لزيادة المرض والوفيات بعد الإصابة بفيروس الإنفلونزا على سبيل المثال.
ويضيفون: “يلزم النظر بشكل خاص في كيفية إدارة العدوى لدى البدناء، وهم الفئة المعرضة للخطر الميكروبي، لأنهم قد لا يستجيبون على النحو الأمثل للعقاقير المضادة للميكروبات أو تطعيم اللقاحات”.
والسمنة بالأساس هي حالة ناتجة عن زيادة تراكم الدهون، وترتبط بالعديد من أمراض المناعة الذاتية والالتهابات المزمنة، وخاصة اضطرابات القلب والأوعية الدموية وداء السكري.
والنسيج الشحمي هو بالأساس “عضو تخزين” ، ينظم تعبئة الطاقة عن طريق تدوير الدهون وفقاً لمدى احتياج الجسم للطاقة.
وفي الالتهابات المرتبطة بالسمنة، تتسلل خلايا مناعية مختلفة، بما في ذلك الخلايا الأحادية وخلايا البلاعم والخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا اللمفاوية، إلى النسيج الدهني، مما يؤدي إلى زيادة إفراز الخلايا الدهنية والخلايا المناعية لمركبات السيتوكينات الدهنية.
ولذا ثمة عامل آخر يُعتقد أنه يلعب دوراً هو الالتهاب الناجم عن الدهون نفسها، ذلك أن الخلايا الدهنية تطلق إشارات يستجيب لها الجهاز المناعي وينتج عن ذلك “مستوى منخفض من التهاب الخلفية”، ومعلوم أن الجزء الأكبر من تداعيات ومضاعفات الإصابة بكوفيد – 19 هي ليست بسبب مهاجمة الفيروس للخلايا في الجسم وإتلافها المباشر بل هي ناتجة بالفعل عن حالة الإفراط في نشاط الجهاز المناعي ومهاجمة نفسه ومهاجمة خلايا أنسجة الجسم في الأعضاء المختلفة وإنتاج كميات عالية من المركبات الكيميائية المناعية، المعروفة باسم السيتوكين، التي هي أسوأ لدى الشخص الذي يعاني من السمنة..
وقد أشارت الدراسات في هذا المضمار إلى أن السمنة الناتجة عن الإفراط في تناول الأكل يمكن أن تزيد من إنتاج الأنسجة الشحمية لكمية الفئات النشطة من السيتوكينات والهرمونات الأيضية وخاصة في الأنسجة الدهنية البيضاء.
وثمة جانب كيميائي حيوي – مناعي لا تزال جوانب كثيرة منه غير واضحة حتى اليوم، يتعلق بدور أحد أنواع البروتينات، وهو بروتين “الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2″، ومستقبلاته المتواجد في الخلايا الدهنية. وهذا البروتين يُمكّن الفيروسات من اعتراض الخلايا، وتحديداً يرتبط الفيروس بهذه البروتينات من أجل تسهيل وسرعة دخول الفيروسات إلى الخلايا وإصابتها بالمرض. وتشير نتائج بعض الدراسات المتقدمة في هذا الجانب إلى أن الخلايا الدهنية تعبر عن بروتين ACE2 بمستويات عالية إلى حد ما، وهناك بعض البيانات السابقة حول هذه الفكرة المتعلقة بالفيروسات التنفسية الأخرى التي يمكنها مهاجمة الأنسجة الدهنية، واستمرار البقاء فيها وجعل التخلص من الدهون أكثر بطئًا وصعوبة.