يلقون غالبية المسؤولية على الأسرة “العنف المجتمعي” .. ظاهرة في تزايد ومختصون يدقون ناقوس الخطر

elmaouid

نظمت مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بالمسيلة، نهاية الأسبوع، يوما دراسيا حول “ظاهرة العنف الاجتماعي في ظل التحديات المعاصرة الأسباب والعلاج ” نشطه نخبة من الأساتذة الجامعيين وأئمة المساجد، تطرق

فيه المتدخلون إلى مفهوم العنف الاجتماعي والعنف الأسري بين العدوانية والمعالجة وأهم الأسباب التي تؤججه لدى فئة الشباب خاصة مستعملي الأنترنت وتلاميذ المدارس وكذا دور الخطاب المسجدي في التقليل من ظاهرة العنف بشتى أنواعه.

حصر الأساتذة المحاضرون على غرار الدكتور علي لرقط والأخصائية هواري خليصة والأستاذ دفي والأستاذ لخضر لقدي في مداخلاتهم تنامي ظاهر العنف واستفحالها بشكل كبير في المجتمع في عدة أسباب، أبرزها عدم اهتمام الأسرة بالطفل وغياب التوعية من الآثار السلبية الناجمة عن استعمال الأنترنت وخاصة وسائط التواصل الاجتماعي.

هذا، وخرج الأساتذة المحاضرون بعدة توصيات هامة للتقليل من ظاهرة العنف من بينها اهتمام الأسرة بالطفل وتربيته تربية مبنية على الأخلاق والاحترام المتبادل من أفراد الأسرة والمجتمع، وكذا برمجة ندوات تحسيسية عبر المساجد والمؤسسات التربوية ومحاولة إيجاد حلول والوقوف على الأسباب الحقيقية للظاهرة، وإبراز الجانب التوعوي من الآثار السلبية لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي والاستعانة بالأبحاث والدراسات المنجزة من طرف خبراء وباحثين في المجال، ناهيك عن نبذ كل أشكال العنف المتلفز والمطالبة بعدم عرض أفلام ورسوم الكارتون التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج للعنف، وكذا دعوة وسائل الإعلام إلى الاعتماد على بث مادة إعلامية تساهم في إرساء التآخي بين الناس والمجتمع، وتبني خطاب ديني يدعو إلى التسامح ومعالجة مظاهر العنف مهما كان مصدرها ونوعها، وتثمين جميع المبادرات التي تساهم في التقليل من مظاهر العنف التي باتت تصنع يوميات المجتمع الجزائري.

 

وللعنف اللفظي نصيبه

يعيش الشباب اليوم حالة من الفوضى اللفظية في غياب ما يصطلح على تسميته بالكلمة المهذبة أو المتخلقة التي لم تعد حاضرة حتى في أبسط الحوارات أو النقاشات بين مختلف الشرائح العمرية، بل أصبحت الكلمة العنيفة كالسب والشتم والتعليقات التي تعكس مدى التدني الأخلاقي وغياب الوازع الديني من أكثر الكلمات التي تلتقطها الأذن شئنا ذلك أم أبينا، بل إنها أصبحت جزءا من يومياتنا لدرجة أن البعض يعتبرها عادية.

 وتكاثرت الألفاظ وتعددت بتعدد الشخص و الدافع ودرجة وقاحته وقدرته على إلحاق الأذى بالغير، هذا الأذى قد يتعلق بشكل الإنسان أو هيئته أو مشيته، و هناك تعليقات كثيرة تصادفنا يوميا في الشارع حتى صارت من أبجديات اليوميات و روتينها ، وبعض هذه التعليقات تتجاوز المعقول و تصل حد سب الذات الإلهي.

 

آثار نفسية وخيمة

وإذا كان العنف الجسدي هو ذلك الذي يمكن ملاحظته كونه يطال الجسم ويخلف أثره على أحد الأعضاء بدرجات متفاوتة، فإن العنف المعنوي أو اللفظي هو ذلك الذي يظهر في لغة التعامل بين الناس، ومن الصعب ملاحظة أثره وهو يشكل خطرا على بناء الشخصية لا سيما في مرحلة الطفولة.

في هذا الشأن يرجح أخصائيو علم النفس أن العنف اللفظي تترتب عنه آثار نفسية عميقة لاسيما لدى الطفل وخاصة إذا كان مصدر هذا العنف الأولياء، لأن المربي أيا كان لابد له أن يكون ملما ببعض مبادئ علم النفس حتى لا يسيء لشخصية من يشرف على تربيته ولا يحدث له خلل في تركيبة شخصيته. العنف اللفظي موجود حيثما تكون هنالك علاقات بين الناس، إلا أن هذا العنف يختلف من شخص لآخر، وذلك حسب طبع كل فرد، وعليه فالسعي لبلوغ الكلمة المهذبة الطيبة يبدأ من خلال تهذيب الطباع.

أما عن الأسباب التي أدت إلى انتشار الظاهرة بشكل ملفت للانتباه في المجتمع الجزائري، فتقول سعاد.م مختصة في علم النفس “هذا راجع لكوننا لا نعطي لأنفسنا فرصة التأمل في الطرف الآخر من خلال فسح المجال للحوار. ويفسر غياب هذا الأخير عند الشباب بالطيش النابع عن التمرد والرغبة في إثبات الذات الذي يظهر عليهم لا سيما في مرحلة المراهقة إلى جانب رد الفعل السريع وغير المدروس”. كما ترى السيدة سعاد بأن هذا العنف اللفظي المنتشر في أوساط الشباب اليوم يعد أمرا عاديا، لأنه قد تأثر بعدة عوامل كغياب التربية في الوسط العائلي والتأثر بالإعلام الغربي الذي يعلمه أنماطا سلوكية غريبة، ولأن الشاب يرغب دائما في أن يكون مثل أترابه من الشباب حتى يتم قبوله بينهم في الجماعة.

 

ثقافة الحوار والتسامح أهم دواء لمعالجة الظاهرة

أظهرت نتائج دراسة ميدانية أجريت مؤخرا  في الوسط الجامعي حول مظاهر العنف في المجتمع الجزائري، أن العنف اللفظي أكثر انتشارا من العنف الجسدي بالجزائر، وقال جزء كبير من عينة البحث في تعريفهم للعنف، إنه أصبح ”موضة بين الجنسين أو سلوكا عاديا”.

هذه النتائج التي قدمتها مُعدّة الدراسة الدكتورة حكيمة آيت حمودة من قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطفونيا، بمناسبة الملتقى الذي نظم مؤخرا بجامعة بوزريعة حول ”دور التربية في الحد من العنف”، أشارت كذلك إلى أن الشارع يعد المكان الذي تمارس فيه أغلب مظاهر العنف، يليه البيت الأسري، ثم المدرسة فالملاعب.

واعتبرت عينة البحث التي شملت 814 فردا يتوزعون بين طلبة وأساتذة وإداريين في سبع جامعات مختلفة -أغلبهم إناث بنسبة 83 بالمائة- أن أهم شريحة تمارس العنف هي الشباب والمراهقون بنسبة 27 بالمائة، والآباء والأزواج بنسبة 26 بالمائة، ثم الرجال في الشارع بنسبة 19بالمائة. وأرجعت أسباب انتشار العنف بالدرجة الأولى إلى سوء التربية بـ18 بالمائة، وسوء التفاهم بـ17 بالمائة، ثم المشاكل العائلية بـ13 بالمائة، فحب التسلط بـ11 بالمائة.

وتقول النتائج في السياق، إن التربية الخاطئة والتربية التسلطية هي أهم دافع للعنف، يليه الإهمال واللامبالاة وكذا التربية القاسية. كما تمت الإشارة إلى أن السلوك التسلطي هو بوابة للعنف، كما أن غياب الديمقراطية وممارسة الظلم وعدم المساواة بين الناس عوامل تؤدي إلى العنف، لذا وافق 92 بالمائة من عينة البحث على أن ثقافة الحوار والتسامح تساهم في الحد منه.

في السياق ذاته، أوضحت دراسة حملت عنوان ”من أجل استراتيجية فعالة في مواجهة العنف من وجهة نظر الشباب الجامعي”، أعدها الدكتور سهيل مقدم من جامعة وهران، أن أهم خمسة أسباب لانتشار هي ”الجهل وقلة الثقافة والوعي”،”الفقر والبطالة”، ”تعاطي المخدرات”،”المشاكل العائلية”،”التساهل مع المتسببين في العنف”.

أما بالنسبة للإستراتيجيات المقترحة من عينة البحث التي شملت 240 طالبا، 60 بالمائة منهم إناث، فركزت على التوعية عن طريق وسائل الإعلام، وتنظيم ملتقيات وندوات حول الموضوع، التنشئة الاجتماعية السليمة، ونشر ثقافة الحوار والسلم في الأسرة وخارجها، توفير مناصب الشغل، خلق مراكز للإرشاد وصرامة القانون ضد مرتكبي العنف والمدمنين على المخدرات، فضلا عن الرجوع إلى الدين.

ولأن الحديث عن التربية يجرنا للحديث عن الأطفال الذين يعدون الوعاء الأساسي لها، فإن الدراسة التي أجرتها الأستاذة صبرينة بن يحيى من جامعة الجزائر2 حول ”علاقة العنف باستقالة مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن تأدية دورها”، تشير إلى حالات إكلينيكية لأطفال اكتسبوا صفات عنيفة بفعل عوامل مختلفة منها؛ اللامبالاة والإهمال أو سوء المعاملة.

من هذه الحالات نجد هدى -12 سنة- التي أصبحت عدوانية نتيجة تعامل والديها السيء معها، بسبب تأخرها المدرسي، فأصبحت تصب عدوانيتها على أخويها لكونهما محل حب والديها بالنظر إلى تفوقهما الدراسي. أما محمد -5سنوات- فأصبح عدوانيا بفعل مصاحبته لطفل عدواني في الروضة لاسيما وأنه لاحظ بأن سلوكه السلبي منحه اهتمام المربية.

ومثله أمين -5سنوات- كذلك هو دائما محط شكاوى من والديه والمربية في الروضة بسبب سلوكاته العدوانية، والسبب فيها أمه التي تتركه وحيدا في غرفة مغلقة أو أمام التلفاز لساعات حتى لا يزعجها. وبعيدا عن رقابة والديها تشاهد يوميا ليلى -7سنوات- أفلام الكرتون في التلفاز أو الأنترنت، مما ولد لديها حالة اختلاط بين الواقع والخيال، وأثر ذلك على سلوكاتها.

وبالنسبة لسمير -14 سنة- فإن العدوانية ناتجة عن الغياب الدائم للوالدين، ورغم أنه من أسرة غنية، إلا أنه لم يجد ملجأ إلا في صديقه الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة والمدمن على المخدرات، والذي أدخله لعالم الإدمان. ولأن جليل -15 سنة- دائما هو الضحية في البيت، فكلما ارتكب إخوته سلوكا سيئا يضربه والده هو، فإنه أصبح عدوانيا خارج البيت، كما فكر في الانتحار.

هي حالات توضح بما لا يدع أي مجال للشك، تأثير التربية المباشر على السلوكات العنيفة التي يمارسها أطفال ومراهقون وشباب، ولذا كان طرح إشكالية العلاقة بين الاثنين في الملتقى الذي نظمته جامعة بوزريعة مؤخرا، والذي ذهب بعيدا في الإشارة إلى ترسيخ ظاهرة العنف في جذور الثقافة الجزائرية عبر مخزونها التراثي المكتوب والمنقول، وعبر أعراف وعادات وتقاليد تدفع لممارسة العنف.