مراقبة الله في السر والعلن دليل على قوة إيمان العبد بالله عز وجل، وباسمه الرقيب الذي هو اسم من أسمائه الحسنى الدالة على عظمته وجلاله وكماله، فهو الرقيب الذي لا يغيب عنه شيء من أمور خلقه، الحفيظ الذي لا يَغفُل، الحاضر الذي لا يَغيب، العليم الذي لا يَعزب عنه مثقال ذرة من أحوال خلقه، يرى أحوال العباد، ويُحصي أعمالهم، ويُحيط بمكنونات سرائرهم، فهو مطلع على الضمائر، شاهد على السرائر، يعلم ويرى، ولا يخفى عليه السر والنجوى، قال سبحانه: ” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ” وقال عز وجل عن نبيه عيسى عليه السلام: ” وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” المائدة: 117. إن مراقبة الله في السر والعلن من أسمى مقامات الدين، وأعلى منازله؛ فهي تفسير لمعنى الإحسان الذي هو أعلى درجات الدين وأفضلُ منازل العبودية؛ بل هو حقيقتها ولبها وروحها وأساسها، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
كما ثبت في حديث جبريل المشهور، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم مَا الإِحْسَانُ؟ فقَالَ: ” أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ” متفق عليه. ” أن تعبد الله كأنك تراه” أن تحسِنَ عملك الذي أمرك به ربك سبحانه، كأنك تراه وهو ينظر إليك؛ فتكون حاضرَ الذهن، فارغَ النفس، مستجمِعَ القلب، كما لو كنت تشاهد ربك سبحانه، فتستحضرُ عظمته، وجلاله، وكماله، وجماله. وتستحضر أنك في حاجة إلى رحمته ومغفرته ورضوانه. ” فإن لم تكن تراه فإنه يراك” أي فإن لم تستطع أن تبلغ بعبادتك إلى مستوى مَن يعبد الله كأنه يراه؛ فاعبدِ الله وأنت على يقين أنه مطلع عليك، ناظر إليك، فاستحضرْ مراقبة ربك في كل ما تقول وتعمل، وتذَكّرْ دائما أنه يراك. والذي يستحضر مراقبة الله، لا يحتاج إلى مراقبة أحد من الناس؛ لأن الله تعالى أعظم في قلبه من كل أحد، وأكبر عنده من كل أحد، يُتقن عمله ويُحسِنه، ويجتنب الغش بجميع صوره وأشكاله، تقربا إلى الله، ومحبة لله، وتعظيما لله، وحياء من الله، وطلبا لمرضاة الله، وخوفا من عذاب الله.