تعرف ظاهرة التسول تزايدا في فترة نهاية شعبان وبداية رمضان أو ما يُعرف لدينا بـ “العواشر”، حيث يتمتع أفراد المجتمع بالطيبة والشفقة والرغبة في اكتساب الأجر والحسنات، ما جعل الكثير من المتسولين
يتمركزون على أبواب المساجد والمستشفيات وحتى البنوك والمجمعات التجارية على أمل أن ينالوا جزءا من صدقات المواطنين، حيث بات هذا النشاط الصفقة الرابحة لدى الكثيرين من عديمي الضمير إلى حد عدم التفريق بين المحتاج الحقيقي والممتهن لهذه المهنة السيئة.
تشهد العديد من مناطق الوطن زيادة مستمرة وارتفاعا ملحوظا في ظاهرة التسول مباشرة مع بداية الشهر الفضيل، وخرجت ظاهرة التسول من كونها احتياجا مؤقتا للفرد في أضيق الحدود إلى وظيفة يمتهنها البعض في كل الأوقات وتجارة رابحة لهم، بل وتطورت حتى أصبحت عملية منظمة لها هيكل وظيفي وأحكام وقوانين وأماكن مستهدفة.
عبارات استعطاف ألف الناس سماعها
أصبح المتسولون يتنافسون فيما بينهم دون رادع أو حياء وتفننوا بطرق كثيرة واحترافية وركزوا من خلالها في استخدام الأطفال الصغار والنساء لإثارة العاطفة، وابتكروا عبارات وتقنيات جديدة قصد التأثير في نفوس المارة والظفر بشفقتهم، فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعو للمارة بصيام مقبول وشهر كريم وبالخير والرحمة مثل “لله يا محسنين في شهر الصيام”، إذ أن هناك متسولين لا يظهرون إلا في هذه الفترة من السنة، فالكثير منهن يستغلون أعمال الخير لهذا الشهر الكريم لجمع الكثير من أموال المحسنين وهذا باستعطافهم، خاصة وأن رغبة المواطنين تزداد هذه الفترة في الفوز بأكبر أجر ممكن من الحسنات. و تؤكد أغلبية الدراسات العلمية المتعلقة بالمتسولين أن غالبيتهم مقتدرون، وليسوا بحاجة إلى المال، لكنهم اتخذوا التسول كمهنة للكسب السريع والسهل في نفس الوقت.
مدخول المتسولين يتضاعف في “العواشر”
أصبح جل المتسولين يمتهنون هذه المهنة حتى أصبحت شكلا من أشكال الاستثمار الموسمي، حيث أن الكثير منهم يعيشون حياة الرفاهية ويقيمون في شقق مفروشة بأثمان باهظة، هذا ما يدل على ممارستهم التسول دون حاجة. ويزداد الإقبال على ممارسة هذه المهنة بسبب استفادة المتسولين من أرباح طائلة خلال هذا الشهر.
كما أن التسول أصبح له مواسم معينة، في ظل انعدام الرقابة الأمنية في هذه الفترة نظرا لمشاعر الرحمة والإيمان، فضلا عن السخاء والتعاطف الذي يتركه الشهر الفضيل في نفوس الصائمين، كما يستغل المتسولون هذه الفترة بالذات، علما منهم أن هناك نسبة كبيرة من المرضى يستعصى عليهم الصيام بسبب حالتهم الصحية المتدهورة، فهم مجبرون على تقديم الصدقة لهم، لذا تجدهم يصطفون طوابير أمام المساجد، خاصة بعد صلاة التراويح، أين يستغلون تمركز أعداد كبيرة من المصلين في أماكن محدودة قصد استدراجهم واستعطافهم.
مواطنون متذمرون من تفشي وانتشار ظاهرة التسول
من خلال محاورتنا لمجموعة من المواطنين حول تفشي ظاهرة التسول في رمضان، لمسنا منهم رفضهم لهذه العادة السيئة المتوارثة لدى الكثير من عديمي الضمير الانساني.
وقد أكدت لنا الآنسة “نصيرة” التي التقينا بها في سوق “ميسونيي” بالعاصمة أن التسول أصبح اليوم حرفة لمن لا مهنة له في ظل الصمت غير المبرر للسلطات المعنية، ما أدى إلى انتشار رقعة ممتهنيها بشكل رهيب بين مختلف الشرائح، إذ يصعب علينا اليوم التمييز بين المحتاج الحقيقي والممتهن.
من جهته، صرح “محمد” تاجر أنه خلال شهر رمضان يزداد عدد المتسولين بشكل رهيب، إذ تجدهم في كل الأماكن، فلا تكاد تمشي خطوة واحدة حتى تجد متسولا يحتال عليك بمظهره البائس وعباراته المستجدية، فصراحة أرى أن الكثير منهم لا يستحقون الصدقة لأن المحتاج الحقيقي لا يمد يده للتسول.
من جهة أخرى، صرحت لنا الآنسة “سميرة” أن ظاهرة التسول باتت تشوه سمعة بلادنا، فاليوم كل من هب ودب يفترش الأرض أمام المساجد ويتسول، والأمر الأدهى، حسب ذات المتحدثة، أن البعض منهم يقاطعك في الطريق ويجبرك على إعطائه مبلغ من المال.
أما “سمير”، فقد اعتبر الأسواق الوجهة الأساسية للكثيرين منهم نظرا للأعداد الكبيرة التي تقصدها يوميا، إذ تعج أسواقنا اليوم بالمتسولين منهم من يفضل البقاء في مداخل الأسواق لاستعطاف المواطنين ومنهم من يفضل اقتحام السوق ليضرب عصفورين بحجر واحد والغنيمة تكون من صدقات المتسوقين وحتى الباعة الذين يجدون أنفسهم مجبرين على إعطائهم المال أمام إلحاحهم الكبير.