يتطرق إلى قضايا التطرف الفكري والديني… “ريح رباني” لمرزاق علواش في منافسة أيام قرطاج السينمائية الـ29

elmaouid

ينافس الفيلم الروائي الطويل “ريح رباني” للمخرج الجزائري مرزاق علواش في الطبعة الـ29 لأيام قرطاج السينمائية بتونس التي تعقد فعالياتها من 3 إلى 10 نوفمبر المقبل وفقا للصحافة التونسية.

وسيدخل “ريح رباني” (2018) غمار منافسة الأفلام الروائية الطويلة إلى جانب أفلام عربية وإفريقية على غرار “رحمة الغابة” من رواندا و”ماكي لا” من الكونغو الديمقراطية و”رفيكي” من كينيا.

ويصوّب المخرج الجزائري المخضرم مرزاق علواش أضواء كاميرته ناحية الجانب المظلم في بلده. يلتقط ذبذبات الشارع، ويغرف من الواقع ليقدم “مرافعته” في السياسة والمجتمع، ثم يسير إلى الأمام بحثاً عن مشروع جديد، غير عابئ بما سيرافق فيلمه من انقسامات من حوله.

“ريح رباني” الذي عرض أخيراً في مهرجان الجونة السينمائي بعدما شهد عرضه العالمي الأول في سبتمبر الماضي في مهرجان تورونتو بعد أسابيع قليلة من انتهاء تصويره، يعود به علواش من جديد بعد فيلمه الوثائقي “تحقيق في الجنة” (2016) إلى تيمة وَسَمت كثيراً من أفلامه وما تزال إرهاصاتها حاضرة بقوة في مجتمعاتنا العربية لما تشكله من تهديد كبير على النشء الصاعد. وليس انجراف الشباب وراء التطرف الديني وغسيل الدماغ الذي تمارسه المنظمات المتشددة وإيقاع حديثي السن في شباكها واستقطابهم نحوها بدعوى الجهاد، تيمة منتهية الصلاحية، بل على العكس ما زالت هذه المشكلة ترخي بظلالها في بلدنا وتتصدر تداعياتها يومياتنا… لا في الجزائر وحسب، بل في المنطقة ككل، وإن شكلت الجزائر الحاضنة الأساسية لحبكة الفيلم التي أرادها علواش قصة حب وجهاد، طارحاً من خلال بطله سؤالاً يشغل باله عن تلك الجثث التي يُعثر عليها بعد العمليات الإرهابية من دون أن يكون لها اسم أو وجه، فيبقى سرّها مدفوناً معها إلى الأبد، ولا نكاد نعرف عنها شيئاً، وكأنها لم تطأ هذه الدنيا من الأساس.

غموض سينعكس بدوره على شخصيات الفيلم التي يحرّكها علواش من دون أن يقدم أي شيء عنها، باستثناء معلومات طفيفة تفسّر ما يدور أمام الكاميرا خلال الدقائق الـ96. فنحن هنا أمام مهمة تنفيذ عملية مسلحة ضد معمل تكرير في الصحراء الجزائرية، بطلاها “أمين” (محمد أوغليس) الشاب العشريني اليافع وقائدته “نور” (سارة لايساك) الثلاثينية. بطلان غريبان لا يجمعهما شيء سوى حب الجهاد، فيجتمعان معاً تحت سقف واحد في منزل قرب مدينة تيميمون في الصحراء الجزائرية، تديره “الحاجة” (مسعودة بوخيرة) في انتظار وصول السلاح لتنفيذ مهمتهما. الأول ترتسم براءة الأطفال في عينيه وملامح وجهه، والثانية يفيض من عينيها حقد دفين ينسينا ملامح وجهها الجميلة ويحوّلها إلى مسخ حقيقي. بطلان، بتناقضاتهما، يدقان ناقوس الخطر حول أن الإرهابي ممكن أن يكون قريباً منا، أكثر بكثير مما نتصور. فـ “أمين” لا يشبه في شيء صورة الإرهابي المحفورة في مخيلتنا. وجهه الناعم وتسريحة شعره وحرصه على الرد على اتصالات والده المتكررة له على رغم كذبه عليه والزعم أنه في إسبانيا بحثاً عن عمل، لا تحيلنا على مشروع “إرهابي”. في المقابل تبدو “نور” أكثر انسجاماً مع صورة الإرهابي/المسخ، فالشرّ الذي يخرج من عينيها وكلامها وتصرفاتها، يقودنا إلى ما نبحث عنه عند الانتحاري/أيّ انتحاري….

واختار علواش أن يكون فيلمه بالأبيض والأسود وأن يكتفي بالتصوير بين منزل مغلق والصحراء كي لا يلهينا شيء كمشاهدين عن الدنو من سيكولوجيات بطليه. لكنه للأسف لم يوفق في مسعاه بالمقدار الكافي، إذ بدت الشخصيات سطحية، تائهة أمام حبكة غير متينة. فقصة الحب التي ربطت “أمين” بـ “نور” بعد أن منحته جسدها، بدت مكتوبة على عجل، وافتضاح أمر “الحاجة” التي آوت الإرهابيين الشابين وتجسست عليهما لمصلحة الجهات الرسمية، لم يبد مقنعاً… ليصل ضعف السيناريو إلى ذروته في ختام الفيلم مع تردد “أمين” في تنفيذ المهمة ثم مبادرته إلى تفجير نفسه بالحزام الناسف الذي يزنّر خصر “نور”، بعدما عجز عن ثنيها عن تنفيذ مهمتها على رغم أن ثواني قليلة فصلت بين هذا المشهد والمشهد الذي يشكو فيه بطلنا كالأطفال أنه لا يريد أن يموت، حين اكتشف أن سير العملية تحول من عملية قتالية إلى عملية انتحارية. فما الذي يبرر هذا التحول السريع في شخصيته؟ وكيف يمكن تفسير كبسه على صاعق المتفجرات بهذه السهولة؟ هل صحا ضميره فجأة وفعل هذا لإنقاذ معمل التكرير من تفجير كاد يودي بحياة عشرات المدنيين من العمال الأجانب الذين يعملون في المكان؛ أو أنه أراد أن يموت إلى جانب حبيبته على غرار النهايات الكبيرة في الروايات الرومانسية؟

“ريح رباني” فيلم متقشف في حواراته ومعالجته الدرامية وموازنته. وهو حكماً ليس أفضل أعمال مرزاق علواش السينمائية، ومع هذا، لا يمكن أن نمرّ عليه مرور الكرام، فهو يبقى، من دون أدنى شك، حلقة مهمة في معركة السينما ضد التطرف.

وستعرف الدورة الـ 29 لأيام قرطاج السينمائية عرض أكثر من 200 فيلم من 47 بلدا عربيا وأجنبيا منها 44 ستدخل غمار مختلف المنافسات.

وستتسابق تلك الأفلام على “التانيت الذهبي للأفلام الطويلة” و”التانيت الذهبي للأفلام القصيرة” و”التانيت الذهبي للأفلام الوثائقية الطويلة”. وسيتم خلال هذه الدورة الجديدة تكريم سينما أربع دول هي العراق والهند والسنغال والبرازيل. وتعتبر أيام قرطاج السينمائية أقدم تظاهرة سينمائية في دول جنوب البحر المتوسط حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1966.