يتسم بأعراض جسدية ونفسية وإدراكية متواصلة.. العلماء يكتشفون ألغاز “كوفيد طويل الأمد”

يتسم بأعراض جسدية ونفسية وإدراكية متواصلة.. العلماء يكتشفون ألغاز “كوفيد طويل الأمد”

يعتبر الخبراء أن «كوفيد طويل الأمد» لا يزال لغزاً، ولكن بعض الأدلة بدأت في الظهور أخيراً. وتشير الأعراض؛ التي تتراوح بين ضيق التنفس وجلطات الدم وفقدان حاسة الشم، إلى أن ما يسمى «كوفيد طويل الأمد» قد يكون مجموعة من المشكلات وليس حالة مرضية شاملة.

ويعتقد الخبراء أن وضع تشخيصات أكثر دقة سيساهم في إيجاد علاجات لمساعدة الناس الذين يعانون من آلام مستمرة في الرأس وتشوش الدماغ ومشكلات التنفس والإرهاق الشديد.

دراسات جديدة

يرجح بعض الدراسات غير الحاسمة أن ثلث الأشخاص الذين أصيبوا بـ«كوفيد» مصحوبٍ بأعراض – وحتى أولئك الذين لم يشعروا بأعراض على الإطلاق – يعانون من أعراض قد تستمر لمدة تتجاوز الشهر بعد إصابتهم بالعدوى، حتى إن عدداً قليلاً، ولكن غير محدد، من هؤلاء يعيش مع أعراض تستمر لأشهر وحتى لسنوات.

وقد تحولت هذه الحالة إلى مشكلة عالمية في ظل وجود كثير من المرضى ومن دول مختلفة حول العالم يصرحون بالمعاناة من أعراض مشابهة ومنهكة؛ إذ يواجه بعض الأولمبيين الذين تعافوا من وباء «كوفيد19» صعوبة في أداء نشاطات أساسية في حياتهم اليومية، بينما يصرح أكاديميون وأساتذة متعافون بأنهم ينسون باستمرار الزر الذي يجب أن يضغطوا عليه لتشغيل آلة غسل الملابس.

فئتا «كوفيد الطويل”

حتى اليوم، جرى تحديد فئتين واضحتين من الـ«كوفيد طويل الأمد». تطال الأولى الأشخاص الذين عانوا من المرض الشديد بعد التقاطهم عدوى «كوفيد19» واحتاجوا إلى وقت طويل للتعافي. وقد أشارت دراسة هولندية نُشرت أخيراً إلى أن 74 في المائة من المرضى الذين دخلوا إلى وحدات العناية المركزة صرحوا باستمرار معاناتهم من أعراض جسدية بعد عام من الإصابة، بينما تحدث 26 في المائة من المشاركين عن أعراض نفسية مستمرة، و16 في المائة عن أعراض إدراكية.

تشمل الفئة الثانية الأشخاص الذين بالكاد شعروا بإصابتهم بالفيروس أو لم يمرضوا بشدة إلى درجة تستدعي استشفاءهم، ولكنهم لم يستطيعوا التخلص من أعراض المرض.

يشير الخبراء إلى أن المنتمين إلى الفئة الأولى هم من كبار السن المعرضين لخطر الإصابة بالعدوى الشديدة، بينما يتمتع المنتمون إلى الفئة الثانية بصحة جيدة ولم يصل معظمهم إلى منتصف العمر بعد.

يرجح الباحثون أن المنتمين إلى الفئة الثانية يملكون جهازاً مناعياً مفرط النشاط استجاب بشكل أكثر من جيد لـ«كوفيد19» ووصل إلى مرحلة يعجز فيها عن وقف نشاطه. تتراوح أعراض هؤلاء بين تشوش الدماغ والإرهاق وآلام الرأس المستمرة والتنميل غير المألوف.

عدّت الدكتورة سيرينا سبوديتش، أستاذة علم الأعصاب في كلية الطب التابعة لجامعة يال والتي تساعد في إدارة عيادة عصبية مختصة في «كوفيد طويل الأمد» في الجامعة نفسها، أن «فكرة المعاناة من حالة ما تسيطر عليكم لأشهر واقعية». وتشير سبوديتش إلى أن هؤلاء المرضى يحتاجون إلى علاجات مختلفة عن أولئك الذين لا يزالون يتعافون من العدوى، ولكنهم يحتاجون إلى مزيد من التصنيف أيضاً. لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن النتائج؛ خصوصاً أن دراسات عدة لا تزال تختبر ما إذا كانت العلاجات المناعية المختلفة ستساعد مرضى «كوفيد طويل الأمد”.

متاعب المرض

نشر الدكتور أونور بويمان، الطبيب المختص في أمراض المناعة بمستشفى زيوريخ الجامعي في سويسرا، ورقة بحثية توضح درجة الخطر التي يواجهها الأشخاص المصابون بوباء «كوفيد19» والمعرضون أكثر من غيرهم للمعاناة من أعراض طويلة الأمد.

درس بويمان وزملاؤه مجموعتين؛ واحدة تضم متعافين من «كوفيد19» مع أعراض مستمرة حتى بعد التعافي، والأخرى تضم متعافين من «كوفيد» لا يعانون من أي أعراض.

وجد الفريق أن 4 عوامل تزيد خطر المعاناة من الـ«كوفيد طويل الأمد»؛ هي: السن، وتاريخ مرضي مع الربو، والأعراض خلال الإصابة بـ «كوفيد19»، والدلالات المناعية في الدم.

يرتفع خطر «كوفيد طويل الأمد» لدى الأشخاص الكبار في السن الذين لا يزالون يتعافون من مرض خطير، بالإضافة إلى البالغين الأصغر سناً الذين يملكون جهازاً مناعياً صحيحاً ومفرط النشاط.

وأشار بويمان إلى أن خطر «كوفيد طويل الأمد» يرتفع أيضاً مع عدد الأعراض التي يعاني منها الشخص خلال الإصابة بالعدوى، لافتاً إلى أن خطره لدى المرضى الذين يعانون من 5 أعراض أعلى من الذين يعانون من عارضين فقط.

يواجه المصابون بالربو خطراً أكبر أيضاً؛ لأن جهازهم المناعي لا يعمل على الأرجح بالشكل الصحيح. وشرح بويمان أن هؤلاء يملكون «استجابة مناعية مضللة» تؤثر على الرئتين وتتعبهما بشكل غير متساوٍ؛ الأمر الذي قد يفاقم الحالة الصحية القديمة التي يعانون منها.

ويضيف طبيب المناعة أن الأشخاص الذين يعانون من الحساسية ليسوا معرضين للدرجة نفسها من الخطر، مرجعاً هذا الأمر إلى اختلاف اضطرابهم المناعي أو ضعف تأثيره.

بدورها؛ تساهم بعض الأجسام المناعية المضادة، والتي تسمى «الغلوبيولين المناعي» القابلة للرصد باختبار دم عادي، في تعزيز هذا الخطر. ولكن إذا صحت النتائج التي توصل إليها بويمان، فقد تساعد لائحة عوامل الخطر التي قدمها في اقتراح خيارات للعلاج؛ فقد يساعد مثلاً تزويد الأشخاص الذين يعانون من انخفاض في مضاداتهم المناعية بدواء معين في تحسين هذه الأعراض أو تجنيبهم الإصابة بالـ «كوفيد طويل الأمد».

التطعيم والعلاج المناعي

التطعيم قد يساهم في تجنب الـ «كوفيد طويل الأمد». ولحسن الحظ، يبدو أن جرعتين من لقاح «كوفيد19» تحميان المرضى من الأعراض المرتبطة بالـ «كوفيد طويل الأمد» ولو لفترة زمنية معينة.

وفي هذا السياق، يشير بويمان إلى أن رفض الناس تلقي اللقاح يعرضهم لخطر أكبر بالمعاناة من الـ«كوفيد طويل الأمد». ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت المتحورات المختلفة تتسبب في درجات مختلفة من الـ«كوفيد طويل الأمد» أو في أعراض مختلفة.

وعدّت سبوديتش أن رصد الاختلافات بين المتحورات في هذا المجال صعب؛ لأن الوقت الذي مر على انتشار «أوميكرون» ليس كافياً. ويروق لها التفكير في أن أعراض «أوميكرون» الطفيفة تخفف احتمال توليده رد فعل مناعياً مفرطاً، ولكن نظراً لأن معظم مرضى عيادتها عانوا من مرض طفيف ناتج عن سلالات سابقة من الفيروس، فضلت الطبيبة ألا تعطي أي استنتاجات في هذا الشأن.

عدّت سبوديتش أن النتيجة الإيجابية الوحيدة للـ «كوفيد طويل الأمد» ستكون مساعدته الباحثين في وضع فهم أفضل للدور الذي يلعبه الجهاز المناعي في مجموعة من الأمراض.

صحيح أن كثيراً من الأشخاص يتعافون مع الوقت، ولكن الحال ليست كذلك لدى البعض؛ لأن أعراض الـ «كوفيد طويل الأمد» تصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتهم؛ وجزءاً تعيساً للأسف.