يطالب سكان ولاية قسنطينة السلطات الولائية والجهات الوصية بالتدخل من أجل القضاء على السعر غير المستقر والذي يناسبهم للخضر والفواكه بسوق “البوليغون” الذي يتحكم فيه بعض الوسطاء وبارونات هذه التجارة منذ سنوات.
ولا تعكس الممارسات التجارية داخل سوق الجملة للخضر والفواكه “البوليغون” في قسنطينة الواقع الحقيقي للسوق، بسبب حجمه المتواضع مقارنة مع أسواق قريبة وتحكم وسطاء في البيع والشراء، كما أن البعد الاستهلاكي للمدينة مقارنة بضآلة المنتجات الفلاحية، أمر زاد من تعقيد الوضع واستحالة التحكم في الأسعار وضبطها، ما دفع بالتجار والمتعاملين إلى البحث عن مصادر تموين جديدة، حتى لو كانت من أسواق فوضوية.
سوق البوليغون الذي فتح أبوابه في بداية تسعينيات القرن الماضي بقرار من بلدية قسنطينة على أساس مرفق عمومي، جاء بهدف توفير المنتجات الفلاحية لتجار التجزئة بالولاية، بسبب الحاجة وقتها لتقريب السوق المحلية من مصدر التموين،
وسعي السلطات لمحاولة التحكم في الأسعار، من خلال ضبط عملية نقل الخضر والفواكه ضمن سلسلتها الطبيعية بين الفلاح والمستهلك، مرورا بتجار الجملة والتجزئة، غير أن هذا الإجراء لم يدم طويلا، بسبب دخول وسطاء على الخط وعدم التزام كل طرف بدوره، ما أحدث فوضى كبيرة في السوق.
وقد كانت لنا جولة داخل السوق، تحدثت خلالها مع عدد من المتعاملين الاقتصاديين، الذين أجمع أغلبهم على وجود فوضى لا يمكن من خلالها ضبط السوق، بسبب سعي كل طرف إلى تحقيق فائدة أكبر بأقل جهد، ولو على حساب المستهلك البسيط، مطالبين بضرورة تطبيق القوانين الخاصة بنشاط التجار، وعدم السماح لأي فرد بتجاوز دوره، وحصر كل نشاط في مجاله.
سوق “شلغوم العيد” يعرقل المعاملة النظامية
ومن بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى اضطرابات في سوق الخضر والفواكه بقسنطينة، هي قصر المسافة التي تفصلها عن بلدية شلغوم العيد، أين يعرف سوق الجملة بها توافد الكثير من المتعاملين الاقتصاديين الذين لا يملكون سجلات تجارية،
وبالتالي فإن كل المعاملات تتم، حسبهم، تحت الطاولة وبطرق غير شرعية، وهو ما يجعل أسعار العرض أقل مقارنة بنظيرتها على مستوى البوليغون، كما أن السوق تجذب أيضا الفلاحين الذين لا يلتزمون بعرض منتجاتهم على مستوى مناطق الإنتاج مثلما يحدده القانون، بل يقومون بعرض سلعهم مباشرة لتجار التجزئة على مستواه.
ويعرف سوق “البوليغون” دخول ناقلين على الخط، وذلك من خلال عرض سلع على مستوى سوق بلدية شلغوم العيد بعد حصولهم عليها من الفلاحين، على أن يحققوا نسبة من هامش الربح الخاص بالفلاحين، ليحصل تجار الجملة بذلك، على السلع بنفس السعر الذي تُشترى به من طرف تجار الجملة من مصدرها.
إنتاج قسنطينة لا يغطي 2 بالمائة من احتياجات سكانها
ولم يخف تجار الجملة أيضا قضية تنقل عدد كبير من تجار التجزئة لولاية قسنطينة نحو سوق شلغوم العيد مباشرة، من أجل التزود بما يحتاجونه من سلع، مستغلين هذه الظروف من أجل تحقيق هامش فائدة أكبر، دون أن ينعكس ذلك على السعر النهائي، مطالبين مديريات التجارة بتطبيق القانون بمنع تنقل التجار الذين يحوزون سجلات البيع بالتجزئة، وكذا منع الفلاحين من عرض منتجاتهم بأسواق الجملة، معتبرين أن الحفاظ على السلسلة التجارية الطبيعية سيساهم في استقرار السوق.
ومن بين العوامل التي لا تسمح بتحكم سوق البوليغون بقسنطينة في أسعار الخضر والفواكه، هو الطابع الاستهلاكي للولاية، إذ أن ما ينتجه فلاحوها لا يغطي بحسب الإحصاءات التي قدمها رئيس فيدرالية تجار الجملة عمار بوحلايس، أزيد من 2 في المائة مما يُستهلك، وبالتالي فإن الولاية لا تتميز بشعبة معينة يمكن من خلالها التحكم في السوق والعمل على خفض الأسعار، بل على العكس تماما، حيث أضاف ذات المتحدث أن التجار الحقيقيين يسعون للحصول على المواد من مصدرها، وبالتالي التنقل نحو مناطق تتميز بنشاطها الفلاحي على غرار ولايات الجنوب والغرب الجزائري، من أجل الحصول على السلع بكلفة أقل، ثم عرضها على مستوى السوق بثمن معقول.
اضطراب في الأسعار بسبب الفوضى
كما أثار التجار نقطة سعي البلدية إلى تحويل السوق عن طبيعته التي أنشئ من أجلها كمرفق عام، ومحاولة تأجيره لأحد الخواص في إطار عملية تثمين الممتلكات، معتبرين أن أية زيادة في أسعار تأجير المربعات للتجار، ستزيد الطين بلة، وهو ما سيتحمله المواطن، مطالبين بالحفاظ على السوق بطبيعتها القانونية الحالية، سيما أن الشروط المنصوص عليها قانونا غير متوفرة، حسبهم، لحل المؤسسة البلدية “ماغروفيل” وأولها الإفلاس، معتبرين أنه على المجلس الشعبي البلدي إعادة النظر في القضية والأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المتعاملين الاقتصاديين، الذين يملك الكثير منهم قاعدة تجارية مهمة تعود لحوالي 30 سنة كاملة.
ومن أبرز المشاكل التي تتسبب في تضارب الأسعار بسوق الجملة لقسنطينة، سوء التنظيم، حيث أن عددا كبيرا من التجار الذين يملكون مربعات داخل السوق لا يحترمون أماكن عرض السلع، وأغلبهم من الوسطاء الذين يحصلون على السلع بثمن أكبر مقارنة بالآخرين، حيث يلجأون، من أجل بيع الخضر والفواكه، إلى عرضها بمدخل السوق وبالقرب من الأبواب الثلاثة، مسببين فوضى وازدحاما كبيرين في حركة المرور، وبالتالي فإن الزبائن يقضون وقتا أطول في الطوابير، ما يدفع بعضهم إلى اقتناء ما يلزمهم مما يعرض في مدخل المنشأة، ولو كلفهم ذلك ثمنا أكبر.