الأيام صحائفُ الأعمال، فخلِّدها بأحسن الأحوال، والفُرَص تمرُّ مرَّ السَّحاب، ومَن استوطأ مركبَ العَجز عثَر به، وإذا اجتمع التسويفُ والكسلُ، تولَّد بينهما الخسران. وهناك أعمالٌ يبقى للعبد أجرُها بعد وفاته ورحيله من هذه الدنيا الفانية، ينبغي على كل طالب نجاةٍ أن يحرص عليها، وألا يفوِّتها، وأن يضرب فيها بسهمٍ ونصيبٍ قدرَ جهده واستطاعته.
إذا مات العبد وفاضَتْ روحُه إلى باريها، وانتقل إلى ربه، فلن يكون معه بعد موته إلا ما قدَّمه في حياته مِن أعمال، إن كانت صالحة فهنيئًا له؛ فلقد فاز بالخير العظيم، وإن كانت سيئةً ؛ فلقد خاب وخسِر، وضيع نفسه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “يتبع الميتَ ثلاثةٌ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد؛ يتبعه: أهله، وماله، وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله” أخرجه البخاري ومسلم.
وفي حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنَ “يُفسَح له في قبره مد بصره”، قال: “ويأتيه رجلٌ حَسَنُ الوجه، حسن الثياب، طيِّب الريح، فيقول: أبشِرْ بالذي يسرُّك، هذا يومُك الذي كنت تُوعَد، فيقول له: مَن أنت؟ فوجهُك الوجه يجيءُ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح”. وقال في الكافر أو الفاجر: “يأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشِرْ بالذي يسُوءُك، هذا يومك الذي كنت توعَد، فيقول: مَن أنت؟ فوجهُك الوجه يجيء بالشرِّ، فيقول: أنا عملك الخبيث” أخرجه أحمد بسند صحيح.
إن الأعمار مضروبةٌ، والآجال مقسومة.
إن آثار الإنسان التي تبقى وتُذكَر بعده من خير أو شر يجازى عليها؛ قال الله تعالى: ” إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ” يس: 12، فالله تعالى يكتُبُ آثار الخير وآثار الشر التي كان هؤلاء سببًا في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، يكتُب الله الأعمالَ التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم. لقد كان مِن دعوة إبراهيم عليه السلام: ” وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ” الشعراء: 84، كان الرافعي رحمه الله يقول: “إذا لم تزد شيئًا على الحياة، كنت زائدًا عليها”.