ترافق استقدام الأيدي العاملة الأجنبية إلى الجزائر مع اتساع ظاهرة الزواج المختلط. وسجل الخبراء انتهاء غالبية هذه الزيجات بالفشل، خصوصا حالات الزواج من رجال ذوي أصول غير مسلمة وجنسيات ليست عربية، والتي قدر عددها بالمئات في العامين الأخيرين.
عرف المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة عدة تغييرات اجتماعية واقتصادية، أدت إلى تغير الكثير من القيم والمعايير الاجتماعية التي كانت في السابق تحدد سلم القيم داخل الأسرة وتسطر حياة الناس، منها معايير الزواج وأسس اختيار الشريك والطرف الآخر.
كانت الأسر الجزائرية إلى وقت قريب لا تزوج بناتها إلا لمن تعرف جيدا محيطه وماضيه، بل كان الزواج من بعض الفئات الاجتماعية المشبوهة عيبا كبيرا. أما اليوم فصارت جزائريات تتزوجن من أجانب دون التدقيق في هوية العريس ولا ماضيه ولا انتمائه..
مواقع التواصل.. قطع للمسافات وللعرف أيضا
وفي السنوات الأخيرة عوضت المواقع الاجتماعية، مثل فايسبوك، دور الأسرة في تقريب الجنسين من بعضهما بوجود مواقع متخصصة في الزواج تعرض خدمات وعروضا صارت تستقطب الكثير من الجزائريات، الأمر الذي يعرضهن إلى الكثير من المتاعب في بلد العريس، حيث تفتح العروس عينيها على واقع جديد لم تضعه في الحسبان.
الصبر من أجل ضمان شرعية الوضعية الإجتماعية
قصص عديدة بطلاتها جزائريات يتعرضن لسوء المعاملة من طرف أزواجهن الأجانب، والكثيرات وجدن أنفسهن في واقع لم يضعنه في الحسبان. نساء يتعرضن لسوء المعاملة والعنف الجسدي واللفظي وهن في بلد بعيدة عن الأهل والوطن. الكثيرات يجدن أنفسهن مجبرات على مواصلة الحياة في “ظل” زوج ولو كان بصفة شكلية، من أجل ضمان الصفة الشرعية لوضعهن الاجتماعي.. وأخريات يتأقلمن مع بلد الغربة ويواصلن الحياة بعد اندماجهن في المجتمع على حساب المبادئ. لكن الحظ لا يحالف الجميع في الغالب، لأن التقارير الواردة من القنصليات والسفارات تسجل يوميا أحداثا من هذا النوع راح ضحيتها عدد غير محدود من الجزائريات، خاصة أن تلك التقارير تحدثت عن وجود مشكلة أمنية أدت إلى ظهور عادات غريبة عن المجتمع الجزائري، وحتى إلى ظهور نشاط ديني غريب في ظل حديث التقارير عن زواج جزائريات من الأقباط واليهود والشيعة. وبعض التقارير تحدثت عن وجود شبكات عبر الأنترنت جلبت الجزائريات للزواج من أجانب لتنتهي بهن الأمور إلى الطلاق أو الانخراط في شبكات الدعارة بالخارج..
أثر للإنفتاح وسبيل لتحقيق الطموح
ظهور مشكلة من هذا النوع يرجعها البعض إلى آثار الانفتاح وطموح الجزائريات لاكتشاف أنماط أخرى من الحياة تسمح لهن بتحقيق ذواتهن وممارسة حريتهن المزعومة، لأن النظام الاجتماعي في الجزائر لا يتيح للمرأة كامل الحرية في تحقيق طموحها حتى لو كانت مثقفة وعاملة.. فبمجرد أن تتزوج لا يمكنها أن تقرر خارج إرادة الزوج والعائلة، لذا يرى البعض أن إقبال الجزائريات على الزواج من أجانب هو بغرض تحقيق هذا الجانب.
من جهة أخرى، يرى البعض أن لجوء جزائريات إلى الارتباط بأجانب دون التحقق من هويتهم ناتج عن الهروب من شبح العنوسة الذي يطارد أكثر من 9 ملايين امرأة، وما يمكن أن يسببه هذا الوضع للمرأة من آثار اجتماعية، رغم أن تأخر سن الزواج صار طبيعيا للمرأة كما للرجل في المجتمع، تحت تأثير عدة أزمات ووضعيات اجتماعية من نقص فرص العمل ومشاكل السكن وغيرها.
المحامي محسن بن عاشور:
“الظاهرة أملتها الظروف الاقتصادية”
قال المحامي محسن بن عاشور، إن ظاهرة إقبال الجزائريات على الزواج من الأجانب أملتها الظروف الاقتصادية التي تدفع الكثير من الجزائريات إلى الرغبة في الخروج من الضغوطات الاجتماعية، التي تمنعها من تحقيق ذاتها، غير أن الطمع عادة ما ينتهي بالخداع وتكون المرأة هي الضحية في هذه الحالة.
المحامي بن عاشور قال في اتصال مع “الموعد اليومي”، إن المعالجة القانونية لمثل هذه القضايا تتوقف على المكان الذي سجل فيه عقد الزواج، فإذا كان العقد مسجلا في الجزائر، فالمرأة بإمكانها أن ترافع أمام المحاكم الجزائرية لاسترجاع حقوقها ويتم معالجة قضيتها طبقا للقوانين الجزائرية في الطلاق أو الخلع أو التطليق، حسب نوع القضية التي ترفعها المرأة. أما إذا كان العقد مسجلا في الخارج، فإن المحاكم الأجنبية هي المختصة في معالجة هذه القضايا. ويضيف الأستاذ بن عاشور أن المرأة في الغرب لها الكثير من الامتيازات والحقوق والحريات، لذا فإن المحاكم الأجنبية تنصف النساء هناك وتنتهي تلك القضايا بتعويض النساء الجزائريات عن الضرر، وإن كانت تلك القضايا تستغرق وقتا كبيرا قد يصل إلى سنة أو أكثر حتى تحصل المرأة على الطلاق.
نظرة حالمة لانسداد الواقع
ويقول الشيخ قسول جلول إمام ورئيس مكتب النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية، إن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في أعداد الجزائريات اللاتي تزوجن من أجانب، خاصة من جنسيات لم يألفها المجتمع الجزائري مثل تايلاند والصين ودول الجنوب الإفريقية.
وأوضح الشيخ جلول أن هذه الظاهرة ارتبطت بقدوم الشركات الأجنبية إلى الجزائر منذ نحو عشر سنوات. وأعاب مدير النشاط المسجدي على الاختيارات التي لمسها بنفسه في هذه الزيجات المختلطة، ووصفها بأنها انطلقت من نظرة حالمة لا تستند إلى الواقع.
واستعرض الشيخ جلول صعوبات ذلك الزواج نظرا لاختلاف المجتمعات والثقافات والعادات. واستدل على ذلك بمثال لم يُراعَ في حالته تفاوت البيئات، حيث تزوجت فتاة جزائرية من رجل صيني وفوجئت به يذبح قطتها ويأكلها أثناء غيابها عن البيت لأن لحم القطة يؤكل عند الصينيين.
وشدد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على مستقبل الجزائر مع ارتفاع عدد الزيجات المختلطة التي قد تصيب هوية المجتمع بالخلل على المدى البعيد. وطالب بتقنين هذه الزيجات لضمان كرامة وحقوق المرأة، على حد تعبيره.
الاجتماعيون من جهتهم، ينظرون إلى تلك المسألة بوصفها جزءا من الحراك البنيوي العام على الصعيدين الوطني والعالمي.
اختلاف المعايير وراء الظاهرة
ويقول أحمد رميتة أستاذ علم الاجتماع الثقافي بجامعة الجزائر، إن الجديد في الظاهرة هو اتساعها على نحو يعكس الحراك الاجتماعي الذي أفرزته العولمة لتظهر لنا حالات الزواج “عابرة الحدود”.
ويضيف أن تلك الحالات ارتفعت نسبتها فجأة، فاكتشف المجتمع الجزائري ارتفاع أعداد المتزوجات من جنسيات أجنبية، خصوصا من قارتي آسيا وإفريقيا، وهي حالة لم يعتدها الجزائريون من قبل.
وبرر رميتة هذه الظاهرة باختلاف المعايير في اختيار الزوج لدى الأجيال الجديدة. وقال إن معايير السكن والأرصدة المصرفية صارت توضع جنبا إلى جنب مع التدين والوسامة.
لمياء.ب