لقَدْ صَحَّ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، منْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ، كما عندَ التِّرْمِذِيِّ وابنِ مَاجَهْ وابنِ خُزَيْمَةَ أنَّهُ قَالَ: ” إذا كانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ من رمضَانَ، صُفِّدتِ الشَّيَاطِينُ ومَرَدةُ الجَانِّ، وفُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، فلمْ يُغلَقْ منهَا بابٌ، وغلِّقَتْ أبوابُ النَّارِ، فلمْ يُفْتَحْ منهَا بَابٌ، وينادِي مُنَادٍ، يا باغِيَ الخَيْرِ أقْبِلْ، ويَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، ولله عُتَقَاءُ منَ النَّارِ، وذَلِكَ كلَّ لَيْلَةٍ”. قالَ الحَسَنُ البَصْرِي رحمَهُ اللهُ: “إنَّ اللهَ تبَارَك وتعالَى جَعَلَ رمَضَانَ مضمَارًا لخَلْقِهِ، يستبِقُونَ فيهِ بِطَاعتِهِ إلَى مرْضاتِهِ، فسَبَقَ قومٌ فَفَازُوا، وتخَلَّفَ آخرُونَ فخَابُوا، فَالعَجَبُ منَ اللَّاعِبِ الضَّاحِكِ، فِي اليَوْمِ الذِي يفُوزُ فيهِ المُحْسِنُونَ، ويَخْسَرُ فيهِ المُبْطِلُونَ”.
-يا بَاغيَ الخَيرِ أقْبلْ على أدَاءِ الفَرَائِضِ، فمَا تَقَرَّبَ العبْدُ إلَى اللهِ تعَالَى بأحَبَّ إليهِ ممَّا افترَضَ عليْهِ، ثمَّ اسْتَكْثِرْ من النَّوافلِ بمخْتلِفِ أجنَاسِهَا، فإنَّ الأجْرَ يضَاعَفُ في الأزْمِنَةِ المُبَارَكَةِ.
-يا بَاغِيَ الخَيْرِ حافِظْ علَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وصَومِ رمضَانَ، وصِلَةِ الأَرْحَامِ، وأدَاءِ الحُقُوقِ، وكُلِّ عِبَادَةٍ فرَضَهَا اللهُ عليكَ، واعلَمْ أنَّ كونَهَا واجِبَةً، يُعَاقبُ عَلى تَرْكهَا والتَّقصِيرِ في أدَائِهَا، لا يَمْنَعُ أن يُرَتِّب اللهُ عليهَا أجرًا عظيمًا خُصُوصًا في الأزمنَةِ الفاضِلَةِ، فقد تواترَتْ النُّصوصُ على خصُوصيَّةِ الطَّاعةِ في رَمضانَ، فقدْ روَى مسلمٌ عن أبِي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَقُولُ: “الصَّلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتٌ ما بَينهُنَّ إذا اجْتُنِبَتِ الكبَائرُ”.
-يا باغِيَ الخيرِ أقبلْ علَى صلاةِ القيَامِ في شهرِ التَّراوِيحِ والتَّهجُّدِ، فإنَّهَا سنَّةُ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ، وهدْيُ الخلفَاءِ الرَّاشدينَ من بَعْدِهِ، فقد ثَبَتَ في الحديثِ الصَّحيحِ عن رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: “منْ قَامَ رمضَانَ إيمَانًا واحتسَابًا، غُفِرَ لهُ ما تقَدَّمَ من ذَنبِهِ” ولتحرِصْ إذَا أقمتَهَا في المَسجدِ أن تُتِمَّهَا مع الإمامِ إن استطعْتَ إلى ذلكَ سبيلًا، حتَّى يُكتَبَ لكَ أجرُ ليلةٍ كاملةٍ، فقدْ روَى النَّسائيُّ عن أبِي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنهُ أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ الرَّجلَ إذا صلَّى معَ الإمامِ حتَّى ينصَرِفَ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ اللَّيْلَةِ”.
-يا باغيَ الخَيْرِ، إنَّ شهرَ رمضانَ هو شهرُ الإكثارِ من الصَّدقاتِ والمبرَّاتِ، فجُدْ بشيءٍ ممَّا آتاكَ اللهُ، وتصدَّقْ به علَى أهْلِ العَوَزِ والفَاقةِ، لتُدْخِلَ فرحةَ رمضانَ على قلوبِهِم، مقتديًا بإمامِ الجُودِ وسيِّدِ الكرَمِ، سيدِنَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، حيثُ ثبتَ في الصَّحيحينِ من حديثِ ابن عَبَّاسٍ رضيَ الله عنهما قال : “كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ النَّاس، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاهُ جبريلُ، وكان جبريلُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ فيدارسُهُ القرآنَ، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ يلقاهُ جِبْرِيلُ أجودُ بالخَيْرِ من الرِّيحِ المرْسَلَةِ”.
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر