رمضانُ والخير قرينان، فرمضانُ هو شهر الخير وزمانه، والخيرُ هو عمل رمضان ووظيفته، وطالبو الخير هم أهل رمضان، ورمضان هو سوق أهل الخير وموسمهم، ومَن وُفِّق لفعل الخير في رمضان، وخفَّتْ إليه نفسُه، فهو الموفَّق، ومن خُذل عن الخير فيه، وثقل عنه، وأعرض عن موائده، فالظنُّ أنه لا يوفَّق له في غيره ولا يُهدى لسبيله، وما ذاك إلا لأن فرص الخير في رمضان مهيأةٌ بما لا تتهيأ في غيره، فصاحبُ الخير منادًى بالإقبال مرحبٌ به، وصاحب الشر مطرودٌ مقصورةٌ خُطاه، والشياطين مصفَّدةٌ، ومجاريها مضيقةٌ، وأبواب النار مغلقةٌ، وأبواب الجنة مفتحةٌ، والقرآن يتلى والملائكة متنزلةٌ، والجموع متعبِّدةٌ، والأجور مضاعفةٌ، ومن هيِّئ له كلُّ هذا ولم تشتَقْ نفسُه للخير، ولم يكن له فيه سهمٌ، فليتفقد قلبَه؛ فإنه لا قلب له.
أمَا وقد انتصف رمضانُ ، أمَا وقد مضى منه شطرُه أو قارب، فهل سأل سائلٌ منا نفسه: أين أنا من الخير في شهر الخير؟ هل كنتُ من طلابه، العاملين بأسبابه، الداخلين مع أبوابه؟ فإن كان كذلك فطوبى له، وإن كان بخلاف ذلك، فماذا ينتظر؟! أينتظر أن يقال: غدًا العيد، وهو لم يقدم من الخير شيئًا؟! أينتظر أن يخرج الشهر وقد رغم أنفه ولم يغفر له؟! ألا فرحم الله امرأً حاسَبَ نفسَه، وقد انتصف شهرُه، فنظر فيما مضى، وعمل لما يأتي؛ فإنْ كان محسنًا ازداد، وإن كان غير ذلك رجع ولم يتمادَ. وتعالوا بنا نستعرض شيئًا مما ورد فيه التصريحُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من الخير؛ لنزن أنفسَنا، ونعرف مواقعنا، قال عليه الصلاة والسلام لمعاذٍ: “ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقةُ تطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل في جوف الليل، ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذروةُ سنامه الجهاد، ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانه ، قال: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ قال: “ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟”.