في كلمته بمهرجان البندقية السينمائي العريق وقف المخرج الجزائري، يانيس كوسيم، الأحد، موقفاً إنسانياً مشرفاً، مدافعاً عن فلسطين ومُديناً لجرائم نتنياهو في قطاع غزة الجريح.
جاء ذلك بمناسبة عرض فيلمه “رقية ” في قسم “أسبوع النقاد” وهو عمله الروائي الطويل الأول الذي يشترك في بطولته وجوه شابة موهوبة على غرار أكرم جغيم وعلي ناموس وعبد الكريم دراجي وهناء منصور. ويُعتبر هذا القسم من أبرز الأقسام الموازية التي تهتم باكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة من مختلف أنحاء العالم، ويمثل منصة لإبراز الأفلام الأولى والثانية لمخرجيها. و”الرقية” المقصودة هي وسيلة العلاج بالقرآن والأدعية النبوية لطلب الشفاء من الأمراض الروحية والجسدية، والحماية من السحر والعين والحسد والفيلم يمزج بين المفهوم الشعبي الذي يتعلق بطرد الشيطان من الجسد عن طريق الأدعية، وبين قصة رمزية تدور على أرض الواقع، في منطقة جزائرية قريبة من العاصمة، تصور أعضاء الجماعات الإرهابية في صورة أقرب إلى الكائنات الخرافية الشيطانية، فهم يأتون في الليل، يتسللون في الظلام، لهم سحن شيطانية، يذبحون الأبرياء للترويع.
وتدور قصة “رقية”، على خلفية الموضوع الذي شغل الجزائر كما شغل السينمائيين الجزائريين منذ عقود، أي “العشرية السوداء. ويتتبع الفيلم قصة أحمد، الذي يعود إلى قريته عام 1993 بعد حادث سيارة أفقده الذاكرة. لا شيء يبدو مألوفًا—لا زوجته، ولا أطفاله، ولا حتى نفسه. وبين همسات غريبة في الليل ومواقف تثير الريبة، يتصاعد التوتر بصمت ثقيل. أنه فيلم عن الذاكرة وعن الزمن.. عن الماضي وعن الخوف من الذكرى والتذكر وعن قمع النفس، وعن الكائنات التي تعتقد أنها أكثر نقاء من غيرها، وأنها تتقرب إلى الله بالقتل، لكن الفيلم يقول على صعيد رمزي بالطبع، إنها ضالعة في تحالف مع الشيطان.. إن أجواء السحر واستخدام النص القرآني المعكوس أو المشوه، مقصودة لصبغ أولئك الذين أشاعوا الرعب تحت ستار الدين في الماضي، بصبغة شيطانيةـ وتصويرهم ككائنات غير بشرية لإيمانها بتفسيرات جنونية، لا تنتمي للفكر الإسلامي، ولا فرق بينهم وبين الذين يعبدون الشيطان. ويكشف فيلم “رقية” عن موهبة كبيرة، وعن براعة فنية في استخدام الصورة وبناء المشهد، والانتقال بين الأزمنة، مع السيطرة المدهشة على الأداء التمثيلي. ففي هذا العمل يتفوق جميع الممثلين في أداء أدوارهم أمام الكاميرا، في إقناع وصدق وتجانس، مع إخراج واثق ينجح في خلق هارمونية فريدة. ويقول المخرج: “نشأتُ خلال التسعينيات الدموية في الجزائر، ولا تزال الصدمة والخوف من تلك الفترة حاضرين تحت سطح الحياة اليومية.. إنني أستخدم الرعب، المبني على الواقعية والذاكرة، كأداة لمواجهة ذلك الماضي، والحفاظ عليه، وضمان عدم نسيانه أبدًا”.
ب. ص
