إن مال الإنسان في الحقيقة هو ما قدَّمه لنفسه ذُخْرًا عند ربِّه جل وعلا وليس ماله ما جمعه وكنزه، ثم اقتسمه الورثة بعده، وقَدِم هو إلى ما عمل وقدَّم، قَدِم إلى ربِّه وحيدًا فريدًا، غنيًّا عما خلَّف، فقيرًا إلى ما قدَّم؛ يقول سبحانه ” وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ” الأنعام: 94، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيُّكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟” قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا وماله أحب إليه، قال: “فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر”، وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاةً، فتصدقوا بها سوى كتفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “بقي كلُّها غير كتفها”، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: “يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس” رواه مسلم. واعلم أنَّ الإنفاق من المال لا يزيده إلا بركةً؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما نقصتْ صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عز وجل” رواه مسلم. والصدقة وكثرة الإنفاق في سبيل الله، وإطعام الفقراء والمحتاجين سببٌ لإنزال الرحمات من ربِّ البريَّات؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقةَ فلانٍ، فتنحَّى ذلك السحاب فأفرغ ماءَه في حرةٍ، فإذا شرجة من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء فإذا رجلٌ قائم في حديقته، يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال له: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لمَ تسألني عن اسمي؟ قال: سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه صوتًا يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه وآكل منها وعيالي ثلثًا، وأردُّ فيه ثلثه” رواه مسلم. والصدقة تدفع البلاءَ. كما أن الصدقة بمثابة البطانة التي يكون لك بها وِقاء من النار ونجاة من عذاب الله، وما من أحد منِّا إلا سيقف بين يدي الله وسيكلمه الله، فسوف يتمنَّى كلُّ واحدٍ منِّا أن لو تصدَّق بجميع ماله.
الدكتور مسلم اليوسف