وما النصر إلا من عند الله

وما النصر إلا من عند الله

مَا زَالَت وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَالقَنَوَاتُ، تَنقُلُ لَنَا مَشَاهِدَ مِن هُنَا وَمِن هُنَاكَ، قَتلٌ وَتَعذِيبٌ وَدِمَاءٌ وَأَشلاءٌ، وَإِهَانَةٌ لِلشُّيُوخِ وَالعَجَائِزِ وَالضُّعَفَاءِ، وَاستِضعَافٌ لِلأَقوِيَاءِ وَهَتكٌ لأَعرَاضِ النِّسَاءِ، وَتَدمِيرٌ وَتَهجِيرٌ وَتَغيِيرٌ وَتَغرِيرٌ، في مَشَاهِدَ تَقشَعِرُّ لَهَا الأَبدَانُ، وَتُستَدَرُّ بِهَا دُمُوعُ الأَشِدَّاءِ مِنَ الرِّجَالِ قَبلَ الرُّحَمَاءِ، يَرَاهَا العَالَمُ المُتَحَضِّرُ وَيَسمَعُهَا بِالصَّوتِ وَالصُّورَةِ، لَكِنَّ الكُفَّارَ عَلَى مُختَلِفِ أَديَانِهِم وَمَذَاهِبِهِم، كَانُوا وَمَا زَالُوا أَعدَاءً مُنَابِذِينَ لِلمُؤمِنِينَ “لا يَرقُبُونَ في مُؤمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعتَدُونَ”. وَيَتَسَاءَلُ المُؤمِنُونَ كَمَا تَسَاءَلَ أَسلافُهُم “مَتَى نَصرُ اللهِ ؟” لِيَجِيءَ الرَّدُّ مِنَ اللهِ تَعَالى مُبَاشَرَةً وَبِاختِصَارٍ: “أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ” وَمَعَ أَنَّ استِبطَاءَ النَّصرِ وَتَعَجُّلَ الفَرَجِ نَزعَةٌ بَشَرِيَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ يُعَالِجُ ذَلِكَ بِحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ، وَتَلَمُّسِ الحِكَمِ البَالِغَةِ وَتَأَمُّلِ عَظِيمِ الغَايَاتِ مِن وَرَاءِ الابتِلاءَاتِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالى عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ في الكَونِ شَيءٌ إِلاَّ بِأَمرِهِ وَتَقدِيرِهِ، وَهُوَ تَعَالى أَحكَمُ وَأَعلَمُ، وَأَرحَمُ بِالمُؤمِنِينَ مِن أَن يُقَدِّرَ عَلَيهِم إِلاَّ مَا هُوَ خَيرٌ لَهُم، وَمِن أَن يَجعَلَ الغَلَبَةَ دَائِمًا لِعَدُوِّهِم عَلَيهِم، غَيرَ أَنَّهُم يَجِبُ أَن يَكُونُوا عَلَى عِلمٍ وَدِرَايَةٍ، أَنَّ لِلنَّصرِ أَسبَابًا لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِهَا. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ سُنَّةَ الابتِلاءِ مَاضِيَةٌ، تُستَخرَجُ بِهَا مَكنُونَاتُ الصُّدُورِ الغَامِضَةُ، وَتُجَلَّى بِهَا حَقَائِقُ النُّفُوسِ الخَافِيَةُ، وَيُستَنبَطُ بِهَا إِيمَانُ المُؤمِنِينَ وَيَظهَرُ بِهَا كُفرُ الكَافِرِينَ. أَجَلْ، لِنَستَيقِنْ وَلْنَستَبشِرْ، وَلْنَعلَمْ أَنَّهُ مَهمَا اشتَدَّت بِإِخوَانِنَا الخُطُوبُ وَتَوَالَت عَلَيهِمُ المِحَنُ، وَحَتى وَإِن قُتِلَ مِنَ المُسلِمِينَ مَن قُتِلَ وَعُذِّبَ مَن عُذِّبَ وَأُوذِيَ في سِبِيلِ دِينِهِ مَن أُوذِيَ، فَشَأنُ المُسلِمِ المُدَافِعِ عَن دِينِهِ وَنَفسِهِ وَعِرضِهِ، إِمَّا النَّصرُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ، وَهُمَا حُسنَيَانِ لَن يَخسَرَ مَن نَالَ إِحدَاهُمَا “ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِن لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم. سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم. وَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم”. فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَمَن أَرَادَ الأَمنَ وَالاطمِئنَانَ وَالنَّصرَ عَلَى عَدُوِّهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَلْيَنصُرِ اللهَ تَعَالى بِطَاعَتِهِ وَفِعلِ أَوَامِرِهِ وَاجتِنَابِ نَوَاهِيهِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ شَرطُ النَّصرِ الَّذِي قَد أَعلَنَهُ اللهُ تَعَالى لِعِبَادِهِ في كِتَابِهِ، وَوَعَدَ مَن حَقَّقَهُ بِأَن يَنصُرَهُ وَأَن يُثَبِّتَهُ، وَأَن يَجعَلَ التَّعَاسَةَ وَالضَّلالَ مِن نَصِيبِ مَن عَادَاهُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم”.            من موقع الالوكة الإسلامي