وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

 

لقد أرسل الله رسوله رحمة للناس كافة؛ ليأخذ بأيديهم إلى الهدى، وما يهتدي إلا أولئك المتهيئون المستعدون وإن كانت الرحمة تتحقق للمؤمنين ولغير المؤمنين، ولقد كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لقومه ورحمة للبشرية كلها من بعده، والمبادئ التي جاء بها كانت غريبة في أول الأمر على ضمير البشرية، لبعد ما كان بينهما وبين واقع الحياة الواقعية والروحية من مسافة، ولكن البشرية أخذت من يومها تقرب شيئاً فشيئاً من آفاق هذه المبادئ. فالرسالة المحمدية كانت رحمة للبشرية، وما تزال ظلال هذه الرحمة وارفة لمن يريد أن يستظل بها، ويستروح فيها نسائم السماء الرخيمة في هجير الأرض المحرق وبخاصة هذه الأيام.

وإن البشرية اليوم لفي أشد الحاجة إلى حسن هذه الرحمة ونداها وهي حائرة شاردة في متاهات المادية وجحيم الحروب وجفاف الأرواح والقلوب، ثم يظهر عنصر الرحمة الأصيل في تلك الرسالة، عنصر التوحيد الذي ينقذ البشرية من أوهام الجاهلية ومن أثقال الوثنية ومن ضغط الوهم والخرافة والذي يقيم الحياة على قاعدتها الركينة؛ فيربطها بالوجود كله وفق نواميس واضحة وسنن ثابتة، تكفل لكل إنسان أن يقف مرفوع الرأس فلا تنحني الرؤوس إلا لله الواحد القهار.

وما بعث الله محمداً إلا لإنقاذ البشرية من شقاء الجاهلية، فهو في سلمه وحربه رحمة للإنسانية ولهذا لم يقل سبحانه رحمة للمؤمنين وإنما قال للعالمين فالله تعالى جعله الرحمة المهداة رحم به الإنسانية جمعاء؛ لأنه جاءهم بالخلاص من الشقاوة العظمى، ونالوا على يديه الخيرات الكثيرة الدينية والدنيوية، فعلَّمهم بعد الجهالة، وهداهم بعد الضلالة وأنقذهم من براثن الشرك والوثنية، فكان رحمة للعالمين؛ حتى الكفار رُحموا به، حيث أخرَّ الله عقوبتهم فلم يستأصلهم بالعذاب كالخسف والمسخ والغرق كما حدث للأمم السابقة إكراماً لرسوله عليه الصلاة والسلام: ” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ “، وحين حمل رسول الله السلاح؛ إنما كان الغرض منه إنقاذ البشرية من الشقاء بقوة الحديد والنار كالطبيب الذي يستعمل المبضع لينقذ المريض من خطر داهم محقق.