ولقد كرمنا بني أدم

ولقد كرمنا بني أدم

 

النَّاس سواء في الكرامة الإنسانيَّة: رجالاً ونساءً، أطفالاً وشيوخاً، فكلٌّ من الرَّجل والمرأة مخلوق آدميٌّ جدير بالتَّكريم، فهما في القِيَم والحُرِّيَّة والعزَّة والكرامة سواء، قال سبحانه: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ” الإسراء: 70. ولعلَّ أسمى صور التَّكريم التي حَظِيَ بها الإنسان من بين سائر المخلوقات الأرضيَّة ما ذكره الرَّازي رحمه الله في سياق تفسيره لهذه الآية: “أنَّه تعالى خَلَق آدمَ بيده، وخلق غيرَه بطريق كُنْ فيكون، ومَنْ كان مخلوقاً بيد الله كانت العنايةُ به أتمَّ وأكمل، وكان أكْرَمَ وأكمل”

ومن تكريم الله تعالى للإنسان: أن جَعَلَه خليفةً في الأرض، وأسجدَ له الملائكة الكرام عليهم السلام، وسخَّر له ما في الكون جميعاً، فكانت بذلك النَّفس الإنسانيَّة أكرمَ المخلوقات في العالم كلِّه. والتَّكريم: جَعْلُه كريماً؛ أي: نَفِيساً غير مبذولٍ، ولا ذليلٍ في صورته، ولا في حركة مَشْيه وفي بشرته، فإنَّ جميع الحيوان لا يعرف النَّظافة ولا اللِّباس، ولا ترفيه المضجع والمأكل، ولا حُسْن كيفيَّة تناول الطَّعام والشَّراب، ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضرُّه.

وليس فيما ورد في القرآن من تكريمٍ للإنسان وتفضيلٍ له على سائر المخلوقات ما يوحي أو يُشير من قريبٍ ولا من بعيد إلى أنَّ المراد بذلك جنس الرِّجال فقط، وإنَّما يراد به الرِّجال والنِّساء على السَّواء، فالمرأة أيضاً داخلةٌ في السِّياق القرآني دون أدنى شبهةٍ في ذلك، ولقد شهد التَّاريخ الإسلامي، في عصور ازدهاره مدى تحقُّق هذه الكرامة للمرأة، فنظرةٌ متأنِّية إلى النِّساء العالمات في عهود الإسلام الأُولى، وروايتها للحديث وتعليمها الرِّجال الأفاضل دليل على احترام الإسلام لعقل المرأة والذي هو مناط الكرامة الإنسانيَّة، فكُتب الحديث والفقه والأدب واللُّغة مملوءة بنماذج مشرِّفة لنساء فضليات في مختلف مجالات العلم والمعرفة، ممَّا يؤكِّد على أنَّ المسلمين قد ضمنوا للمرأة كرامتها وحافظوا لها على هذه الكرامة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من علمٍ وفضل.