ليس هناك من شك في إجماع الأطباء والحُكماء والعُلماء والعقلاء في كل زمانٍ وأي مكان أن “الوقاية خيرٌ من العلاج”، وأن اجتهاد الإنسان في حماية نفسه من الوقوع فيما يضُـره، أو يُعكر عليه صفو عيشه، أو يؤثر على انتظام سير حياته أمرٌ مطلوبٌ، وواجبٌ فردي وجماعي لا يُنكره عقلٌ، ولا يُفرِّط فيه إلا جاهل أو مُتجاهل. وقد جاء دين الإسلام الحنيف وتربيته السامية بالحث والتوجيه على أهمية الأخذ بأسباب الوقاية المُمكنة من كل شـر متوقع، أو من أي ضُـر مُحتمل، فإذا كان الإنسان يستطيع بإذن الله تعالى، ثم بما علَّمه الله ووفَّقه إليه من الحكمة والـمعرفة والخبرة والبصيرة، أن يحمي نفسه، أو يحمي غيره من البلاء أو الابتلاء أو المرض أو الضـرر، أو ما في حكم ذلك؛ فإن تعاليم الدين وتوجيهاته وآدابه تفرِض وتوجب عليه ذلك التصـرُّف لما فيه من الخير والنفع والمصلحة، سواء أكان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة، وهو خيرٌ له في دينه ودنياه، وفي عاجلٍ أمره وآجله، وعليه ألا يهمل ذلك أو يتهاون فيه، فتكون النتيجة مؤسفةً ومؤلمة، ويندم حين لا ينفع الندم، نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قضى أن يتعرض الناس في حياتهم لشيءٍ من البلاء والابتلاء بين حينٍ وآخر، فقال جل من قائل: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ” البقرة: 155، فإن علينا ألا ننسى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقول في موضِع آخر: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ” النساء: 71، والمعنى أن من الواجب علينا جميعًا أن نعلم وأن نُدرِك، وأن نتيقَّن أن تعاليم وتوجيهات الدين توجِّه الإنسان المسلم، وتحث المجتمع المسلم على ضـرورة الأخذ بأسباب الوقاية، وعدم التفريط في كيفية السلامة والحماية والنجاة ما دامت مُمكنة، وهو ما يؤكده قوله تعالى: ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” البقرة: 195.
وتتمثل خُلاصة القول في أن هناك من قد يُخطئ أو يُقصِّـر أو يُفـرِّط في الأخذ بأسباب الوقاية، ويخالف ما تقتضيه الحال من التعاليم والتوجيهات والإرشادات، سواء أكانت دينيةً أو دنيوية، وسواء أكانت فرديةً أم جماعية، وأن الإنسان يكون “والعياذ بالله”، مُذنبًا في حق نفسه، ومُذنبًا في حق غيره إذا تسبب ذلك في نقل الوباء أو الضـرر إلى من حوله، أو نشـره بينهم، وبخاصةٍ إذا كان يعلم بذلك، ثم اختلط بالناس متعمدًا.