ولا تفسدوا في الأرض

ولا تفسدوا في الأرض

 

الفساد ظلمة موحشة تحوي في حُلَكِها الهدمَ والخراب وكلَّ ما من شأنه تقويضَ الإصلاح وإضعافَه، ولذا نهى الله عنه نهيًا عامًا لا يدع من أفراده صغيرًا ولا كبيرًا إلا وشمله ذلك النهي الصارم؛ لعظم ضرره واستطارة شرِّه، قال تعالى: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ” الأعراف: 56. ومنبع الفساد وأساسه الذي ينشأ منه ويتغذى عليه المعاصي التي يرتكبها العباد ومخالفتهم الأوامرَ الربانية، كما قال تعالى: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ” الروم – 41، قال أبو العالية: ” من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصية الله؛ فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة” والفساد هاوية ذات دركات؛ بعضها أعظم من بعض، وأخطر الفساد من حيث الأجناس الكفر والشرك، ثم النفاق، ثم البدع، ثم الكبائر ثم الصغائر. ويعظم الفساد إن كان فيه اعتداءٌ على حق الغير بالأخذ أو المنع أو كان صاحبه داعيًا إليه، أو مزيِّنًا له، أو مجاهرًا به، أو محتالًا فيه، أو فرحًا به، أو خائنًا لحق عام هو مؤتَمنٌ عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ” رواه البخاري.

الفساد والمفسدون مبغوضون عند الله؛ و” وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ “، ومن شأن ذلك البغض الإلهي أن جعل سبيل الإفساد والمفسدين لا تفضي إلا إلى شر مآل في الدنيا والآخرة، وأن صولة الفساد لا يطول وقتها؛ لخطرها على الكون؛ فإن من سنن الله الجارية أن يقيض للفساد يدًا من الحق حاصدة، كما قال تعالى: ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ” الأنبياء: 18، إن الوازع الذاتي باستشعار المرء اطلاعَ الله عليه، واستحضارِه علمَ ربه بمغيبه ومشهده، ويقينِه بحسابه يوم القيامة بين يديه، وأن “وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ” هو أعظم ما يُدرأ به الفساد ويُرفع. وتنمية هذه الرقابة في النفوس، وكثرة التذكير بها من أهم ما يجب التواصي به، ويُنشّأ عليه الناشئة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطًا، فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة ” رواه مسلم، ويقول: “والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة”. رواه البخاري. وسنة المدافعة بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسن العقوبات وإنشاء الأجهزة لمحاربة الفساد سبيل شرعي قويم لرفع الفساد ومنعه، كما قال الله تعالى “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” البقرة: 251.

من موقع الالوكة الإسلامي