وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا

وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا

 

حق الوالدين عظيم، وفضلُهما عليْك سابق، فهُما سببا وجودِك بعد الله. فقد قرَن الله حقَّهما بِحقِّه سبحانَه وتعالى وشُكْرهما بشُكْرِه جلَّ علاه “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ” النساء: 36، وقال جلَّ وعلا ” أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ” لقمان: 14. وعن ابن مسعود رضِي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: “الصَّلاة على وقْتها”، قلتُ: ثمَّ أي؟ قال: “بر الوالدين”، قلت: ثم أي؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”؛ البخاري ومسلم.

حملتْك أمُّك في أحشائِها تسعةَ أشْهُر، وهنًا على وهن، حملتْك كرهًا ووضعتْك كرهًا، تَجوع لتشبع أنت، وتسْهر لتنام، وتتْعب لتستَريح، كم سهِرت لأجْلِك اللَّيالي! وكم تَجرَّعت الآلام ليتحقَّق لك ما تتمنَّاه! أمُّك رحيمة بك شفيقة حميمة عليك، قد كان بطنُها لك وعاء، وحِجْرُها لك حواء، وثديها لك سقاء، وكم تعاني من المتاعِب عند الفصال والفِطام والتَّربية والتَّنشئة! فلا تنسَ لَها معروفَها، ولا تُنْكِر جَميلَها وبرَّها وإحسانَها، اخفِضْ لَها جناح الذُّلِّ من الرَّحْمة، واحذَر الجفاء والقسوة؛ فقد بذلا لك كلَّ حنان وشفقة، واسْعَ لِرضا الوالدَين تنل رِضا الله، ففي رضاهما رضا الباري.

وأبوك فرح بوجودك واستبشر، يسعى ويجد ويكْدح ويكد، وينشئ وينفق، ويربِّي ويشفق، يُطْعِمك وأنت مولود، ويَعولك وأنت يافع، وإذا حضر أقْعدك على حِجْرِه وصدْرِه، وإذا خرَج تعلَّقت به، وإذا غِبْتَ سأل عنك، وكم بذَل من جهدٍ لتعليمك وتنشِئتك وتغْذِيتك وترْبيتك!،  برُّ الوالدين دأب الأنبِياء والمرسلين، ونَهج عبادِه الصَّالحين؛ قال الله عن عيسى عليْه السَّلام ” وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ” مريم: 32، وقال عن يَحيى عليْه السَّلام ” وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً ” مريم: 14. بر الوالدين سببٌ لدخول الجنَّة؛ عن أبي هُريرة رضِي الله عنْه مرفوعًا: “رَغِم أنفُه، ثمَّ رغم أنفُه، ثمَّ رغِم أنفُه: مَن أدرك أبويه عند الكِبر أحدَهما أو كليهِما ثمَّ لم يُدْخِلاه الجنَّة” رواه مسلم.