لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم من أم سلمة لأجل التمتع المباح، وإنما كان لظروفها وفضلها، ودينها وعقلها الذي يعرفه المتأمل بجودة رأيها يوم الحديبية، فقد روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا أيها الناس انحروا واحلقوا “، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال: ” يا أم سلمة ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ” . فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأياً موفقا ومشورة مباركة، قال ابن حجر: ” وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها “. ثم إن أم سلمة رضي الله عنها من بني مخزوم أعز بطون قريش، وهي التي كانت تحمل لواء الحراب والمواجهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء هذا الزواج نوع تألف لهذه القبيلة، وتقريب لقلوب أبنائها، وتحبب إليهم ليدخلوا في الإسلام بعد أن صاروا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نالت أم سلمة حظّاً وافراً من أنوار النبوة وعلومها، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلماً، بل كان الصحابة يفدون إليها ويستفتونها في العديد من المسائل، ويحتكمون إليها عند الاختلاف، وبلغ ما روته من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الذهبي ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثا، وقد ظهرت في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنها حِكم كثيرة من حِكم تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى ما سبق منها: الحكمة التعليمية، فقد كانت معظم مروياتها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام والعبادات، وستر العورة، والجنائز، وحجاب المرأة.