تعود بداية الاحتفال باليوم العالمي للمعلم إلى سنة 1994، وذلك تخليدا واحتفالا بذكرى توقيع توصية بشأن وضع المعلمين ومسؤولياتهم وظروف التدريس والتعلم، تلك التوصية الموقعة من طرف اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية سنة 1966.
وعلى غرار معظم دول العالم، أحيت الجزائر، أمس الأربعاء، 05 أكتوبر، اليوم العالمي للمعلم، وهي مناسبة ووقفة تذكر بمكانة العلم والتعلم، وقد تأخذ الاحتفالات منعرجا حاسما ومفهوما روحيا إذا ارتبطت بالمفهوم الديني ومكانة المعلم في الإسلام، إلى جانب كون المناسبة فرصة تقدير وتكريم لكل المعلمين والعاملين في القطاع التربوي الذين يحملون على عاتقهم مهمة إعادة هيكلة القطاع وخلق بيئة تربوية سليمة تحفيزية للمتعلم على الابتكار والإبداع، وهي سانحة للتنويه بجهود الأسرة التربوية في نشر رسالة العلم في أوساط التلاميذ والطلبة، وغرس فيهم حب التعلم، وتنمية قدراتهم الذهنية والفكرية، رغم النقص الملحوظ في عدد المعلمين الأكفاء، بسبب سوء وتدني أوضاعهم الاجتماعية إلا أن وضعية المعلم عرفت تحسنا ملحوظا سواء من ناحية ظروف العمل والترقيات المهنية والهياكل واستفادة المعلمين من السكنات.
تواصل الجهود المشتركة لتحقيق التأقلم مع التقدم التكنولوجي
غير أن ما يعيق المعلم اليوم، صعوبة التأقلم مع التقدم التكنولوجي والعلمي المتسارع والرهيب، لذا وكضرورة حتمية لا مفر منها، مواصلة العمل المشترك القائم بين الوزارة والنقابات وجميع الشركاء الاجتماعيين، على اعتماد خطة منهجية على رقمنة مسار التعليم، وكذا تأهيل العنصر البشري من خلال توفير التكوين المناسب للأسرة التعليمية والطاقم المسير لها، مع إعطاء الأهمية بالتكفل بانشغالاتهم كي يتفرغ المعلم لتحسين مستواه العلمي والسهر على رعاية وترشيد أبنائه من التلاميذ والطلبة.
نظرة استشرافية وخارطة طريق مدروسة
لتحقيق رقمنة مسار التعليم، يجب أن ترتكز على تحديد عدد الأساتذة الذين يتم توظيفهم وفق خارطة طريق ونظرة استشرافية للقطاع من خلال مخططات متوسطة المدى، بعيدة المدى، يبرز فيها عدد الأساتذة والمعلمين الذين سيحالون على التقاعد حسب المادة والطور، مع إبراز احتياجات القطاع من الأساتذة كل سنة دراسية.
إن دراسة خارطة طريق هذه، يجب أن تتضمن عدة محاور ترتكز على ضرورة خدمة التلميذ والتكفل الأمثل به، وترمي إلى إحداث وثبة نوعية للنهوض بالقطاع خاصة ما تعلق بتوفير خدمات تربوية وبيداغوجية تتضمن تكفلا نوعيا بالمعلم وذلك بتهيئة كل الظروف الملائمة لراحته.
جيل مثقف.. هدف منشود وتحدي كبير
ولعل التحدي الكبير، يتمثل في ضرورة العمل على إعداد جيل مثقف، يستجيب لتطورات ومقتضيات العصر التي تفرضها العولمة، الذي يلزم الوزارة بتحيين المنظومة التربوية وترقيتها إلى مستوى وظروف الحياة العصرية، مع التشبث والمحافظة على التراث الوطني، أي بناء مدرسة جزائرية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، أصلها المدرسة الباديسية وفرعها الركب الحضاري والتكنولوجي، ولعل مبادرة تدريس اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي، واستفادة أكثر من 1600 مدرسة من اللوحات الرقمية يعد خطوة هامة وحاسمة في هذا المجال في انتظار مراجعة الكتاب المدرسي وتجديد المنهج التربوي، الذي هو مطلب ضروري لتجاوز هفوات المرحلة السابقة، وعلى سبيل المثال، إذ أوضح الوزير الأسبق أن المناهج التربوية المدرجة ضمن الجيل الثاني تحتاج إلى إعادة وتصحيح وأنها مرفوضة جملة وتفصيلا.
هذه المراجعات والتصحيحات الميدانية تهدف إلى تحقيق الأطر التنظيمية التي تحكم أنشطة التعليم والمجالات المختلفة التي توجد فيها فرص لتبادل الخبرات مع الدول المتطورة، والذي يساهم في تطوير المنظومة التربوية وترقية البيئة التعليمية أين يبث في نفوس المتعلمين حب التعلم، وذلك بتأهيل كفاءات قادرة على المساهمة في ترقية مجتمع يسود فيه التعليم والمعرفة، ويعد مصدرا أساسيا ومرجعا لكل سياسة الدول، والتي تفرض على الجميع تحيين المعارف والأفكار بصفة دائمة ومستمرة خاصة ما يتعلق منها بالتطورات التكنولوجية والتحولات المعرفية والولوج إلى عالم الاتصال والتعدد الإعلامي والمعرفي.
تحسين الخدمة الاجتماعية لتوفير الجو المناسب
من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية، لا بد من إعداد مشروع قرار وزاري مشترك يخص الخدمات الاجتماعية، وضمان استفادة كل أعضاء الأسرة التربوية من أموال هذه الخدمات في ظل التسيير المحكم والنزيه، مع إعطاء الأولوية لأساتذة التعليم الابتدائي نظرا لضعف مداخيل وموارد خدماتهم الاجتماعية.
ومن أجل إنقاذ المدرسة من مخالب الإضرابات المتكررة، لوضع حد لهذه النقائص، على القطاع أن يرفع التحدي في إيجاد حل لهذه المشاكل ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق الحوار الحقيقي والمثمر بين الوزارة الوصية ومختلف النقابات، والذي يهدف إلى وضع مصلحة التلميذ فوق الجميع، بعيدا عن المناورات والنظرة الأحادية التي أثبتت عدم نجاعتها وقصور أهدافها.
ضرورة إشراك المعلم في القرارات الحاسمة
إذ حان الوقت لمشاركة المعلم في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تشمل عدة جوانب في إطار مشروع المؤسسة التي تتحدد على المستوى المحلي، وذلك عن طريق مشاركته التلقائية في مجالس الأقسام وكذا تنشيط والمساهمة الفعالة في مختلف الندوات التي ينظمها القطاع أو يشرف عليها، كما أن هناك مجالات وسبل عديدة يقدم المعلم من خلالها اقتراحات وآراء، في إثراء الإجراءات والتغييرات التي يريد قطاع التربية إدخالها.
تحسن ملحوظ في انتظار تسوية باقي المشاكل
حتى يضمن القطاع الاستقرار، نشير إلى أن وضعية المعلم ما زالت مثيرة رغم التحسن الذي عرفته مقارنة بالسنوات الماضية، حيث ما زالت بعض المشاكل المستعصية، لم تعرف الطريق إلى تسويتها، وحلها يكمن في فتح باب الحوار بين وزارة التربية و النقابات لإعادة الأمل، والأمل كبير في حل كل المشاكل، سيما الاجتماعية منها التي أدت إلى تردي الأوضاع وتفاقمها بشكل رهيب، وذلك عن طريق القدرة على الاستشراف وبناء استراتيجية بواسطة أوراق الطريق، العملية التي تتماشى مع متطلبات الهدف المحدد ودعم الجهود من أجل تحقيق الانفراج في تحسين مردود المنظومة التربوية بإشراك الأسرة التربوية جمعاء بإنزال مشروع المنظومة التربوية إلى القاعدة للإثراء بعيدا عن قرارات الجهات الفوقية، والتي في أغلب الأحيان يغيب عنها دقائق وتفاصيل حاجيات المنظومة التربوية.
فليكن اليوم العالمي للمعلم محطة لتقييم المدرسة الجزائرية على ضوء القانون التوجيهي للتربية الوطنية الصادر سنة 2008 و الذي يضع الأسس التنظيمية للمدرسة الجزائرية، كما يعد مرجعا لتدارك النقائص المسجلة، لوضع معالم المدرسة الجزائرية القائمة على مناهج علمية منسجمة مع تطورات العصر وبعيدة عن المؤثرات الإيديولوجية والتدخلات السياسية والتي فيها يكون المعلم السيد والقدوة يحظى بمكانة مرموقة داخل مجتمع يستند إلى المعارف والقيم والأخلاق.
منظمة اليونيسكو.. دعوة لنشر الوعي حول قضايا المعلم
وفي الختام، نذكر دعوة منظمة اليونيسكو إلى نشر الوعي حول قضايا المعلم والتأكيد على أن احترام المعلم جزء من النظام الطبيعي للأشياء.
ترسيخا لهذا المفهوم، ومن أجل استرجاع مكانة وقيمة المعلم الذي لم يعد يحظى بالاحترام الكبير من قبل المجتمع، على الأولياء في مثل هذه المناسبة، إقامة جلسات عائلية مع أبنائهم، فيها يستحضرون مكانة المعلم في الإسلام، حيث يكفي للمعلم فخرا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بُعث مربيا ومعلما، لكم الدليل في إحدى الآيات القرآنية المذكورة في سورة الجمعة (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لفي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ).
فهل مناسبة 05 أكتوبر اليوم العالمي للمعلم ستكون فرصة لطرح انشغالات المعلم ومحطة انطلاق إعداد نصوص قانونية من شأنها تلميع صورة المعلم القاتمة؟
خرفي الحاج بغداد