وقفات مع ليلة القدر

  وقفات مع ليلة القدر

 

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في معنى القدر الذي سُميَت به هذه الليلة الشريفة على عدة أقوال، ذهَب إلى كل واحد منها جماعة من الأئمَّة، أشهرها ثلاثة الأقوال، هي:

القول الأول: أن القَدْر بمعنى التقدير، والمراد: أن هذه الليلة الشريفة تُقدَّر فيها مَقادير الخلائق، والمراد بهذا التقدير: التقدير السنَوي، وهو ما يكون بين يدي الملائكة الكرام عليهم السلام كل عام من ليلة القدر إلى التي تليها من العام الآخَر؛ قال تعالى: ” فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ” الدخان: 4، أما التقدير الأول العام فقد كان قبل خَلقِ السموات والأرض بخَمسين ألف سنَة.

القول الثاني: أن القدر بمعنى الشرف وعلوِّ المنزلة، والمراد: أن هذه الليلة شريفة عند الله تعالى ومن شرفِها أن أنزل فيها كتابه الكريم، وجعلها خيرًا من ألف شهر.

القول الثالث: أن القدر بمعنى التضييق، والمراد: أن هذه الليلة الشريفة يَكثُر فيها تَنزُّل الملائكة الكرام – عليهم السلام – إلى الأرض حتى تَضيق بهم، وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر “إن الملائكة تلك  الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى”؛ رواه أحمد، وكل هذه أقوال صحيحة لا تَعارُض بينها، ويؤيد ذلك اللغة، وواقع هذه الليلة الشريفة الذي دلَّت عليه النصوص الشرعية.

تحرِّي ليلة القدر وما يُشرَع فيها:

ليلة القدر مُتنقِّلة في العشر الأواخر؛ ولهذا يُشرَع تحريها في جميع العشر، وليالي الأوتار آكَد، وقد تكون في ليالي الأشفاع، وأولى الليالي بتحريها  ليلة سبع وعشرين. ويُسَنُّ أن يجتهد المسلم في جميع ليالي العشر بالطاعات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، لعله أن يوافِق هذه الليلة المُبارَكة، فيتضاعف أجره وعمله إلى عمل أكثر من ثلاث وثمانين سنة، وإن مِن أعظم التفريط: إضاعة هذه الليالي المباركة بالسهر فيما لا ينفع أو في المُحرَّمات وترْك الطاعة والتقصير فيها، وعدم الاهتمام بما عظَّمه الله تعالى وشرَّفه من الليالي والأيام. ومما يُشرَع في هذه الليالي:

أولاً: الحِرص على الفرائض وعدم التفريط فيها.

ثانيًا: الإكثار من ذِكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم.

ثالثًا: الإكثار من الدعاء، ومِن أحسنِه الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: “تقولين: اللهم إنك عفو تحبُّ العفو فاعف عني” رواه أحمد والترمذي.

رابعًا:  الحرص على قيام الليل في هذه الليالي المباركة، فإن من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” متَّفق عليه.