لقد حبب الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخلوة والانعزال عن الناس؛ لكي يتعبد لله تعالى، وكان يخلو بغار حراء يتعبد لله تعالى على ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ولما كمَّل الأربعين أكرمه الله تعالى بالنبوّة، وجاءه جبريل في غار حراء، فقال له: اقرأ، فقال: “لست بقارئ”، قال: اقرأ قال: “لست بقارئ” فغتَّه حتى بلغ منه الجهد، فقال له: اقرأ، فقال: “لست بقارئ” فقال: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “، وبهذه السورة كان صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرجفُ فؤادُهُ فدخل عليها وقال : “زملوني زمِّلوني” فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوعُ، فأخبر خديجة الخبر، فقالت خديجة رضي الله عنها: “كلا واللهِ ما يُخزيك اللهُ أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمِل الكلَّ، وتكسِب المعدوم، وتقري الضيف، وتعينُ على نوائب الحق…”، ثم أرسله الله تعالى بسورة المدثر إلى الإنس والجن، قال صلى الله عليه وسلم ” بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعتُ بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرُعبْتُ منه، فرجعت فقلت زمِّلوني، فأنزل الله تعالى ” يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ” إلى قوله ” وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ” فحميَ الوحيُ وتتابع، فبدأ صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى سراً، فأسلم على يديه: السابقون الأولون، وكان أول من أسلم خديجة رضي الله عنها، ثم علي ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر رضي الله عنهم، ثم دخل الناس في دين الله واحد بعد واحد، حتى فشى الإسلام في مكة، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يجهر بالدعوة فقال: ” وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ”، وقد ناصبه صناديد قريش ومن معهم العداء، ولكن مع ذلك لم يستطع أحد منهم أن يتهمه بصفة الكذب أو صفة غير لائقة، وقد قال الله تعالى ” فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون “.
موقع إسلام أون لاين