دعونا ننظر في القرآن في سيرة أحب الخلق إلى الله بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبيه إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وذلك حينما رفع قواعد البيت العتيق بالمسجد الحرام، ودعا بدعوات عظيمات، فقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” البقرة 129، فأخبر ربنا تعالى عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولًا منهم؛ أي: من ذرية إبراهيم، وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولًا في الأميين إليهم، إلى سائر الأعجمين، من الإنس والجن، يقول أبو أمامة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، ما كان أول بدء أمرك؟ قال: “دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام”، فأول من نوَّه بذكره وشهره في الناس، إبراهيم عليه الصلاة السلام، ولم يزل ذكره في الناس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم عليه السلام حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال ” إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ” الصف: 6؛ ولهذا قال في هذا الحديث “دعوة أبي إبراهيم، وبُشْرى عيسى بن مريم”. فيما مَرَّ رأينا مدى افتخار سيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم بأنه جاء نتيجة دعوة أبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم فكان يرفع بها رأسًا ويقول: “أنا دعوة أبي إبراهيم”، ولو نظرنا إلى المدة الزمنية بين إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم لوجدناها قرونًا متطاولة؛ لكن تلك الدعوة قد رفعت من قلب تقي سليم مؤمن بالله، محسن الظن بالله، لقد أمرنا بإتباع مِلَّة إبراهيم والاقتداء به، ومن الاقتداء به الدعاء لمن يحب المرء، ولذريته في المقام الأول، وهذا أمر عظيم جليل القدر عند الله تبارك وتعالى، والإنسان إذا أكثر منه فقد يكون في ابنه أو حفيده أو في صديقه من ينفع الله جل وعلا به نفعًا عظيمًا بدعاء ذلك الوالد، وكل ولد صالح بعد ذلك ولو بعد ألف جيل هو ميزان حسنات الداعي الأول.
موقع إسلام أون لاين