من أعظم النعم التي ينالها الإنسان أن يُهدى إلى العقيدة الصحيحة، وأن يعلم أصول دينه وفروعه، وأن يدرك ما يضره وما ينفعه، وأن يميز بين الوحي وبين الخرافة، فيؤمن بما جاء به الوحي ولو كان غيبا، وينبذ ما نتج عن الخرافة ولو شاهد له أثرا. والإيمان بالغيب هو الإيمان بدين الإسلام؛ ذلك أن أركان الإيمان الستة كلها غيب، والقرآن لا يكون هداية إلا لمن آمن بالغيب ” ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ” البقرة:2 – 3. وعلم الغيب من خصائص الربوبية، لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكن الله تعالى يكشف ما شاء من غيبه لمن شاء من عباده ” وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ “آل عمران:179. كما أن النفع والضر من الله تعالى لا يملكهما أحد من الخلق مهما علت منزلته، أو عظمت قوته، أو كثر جمعه ” وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” الأنعام:17. ونصوص الكتاب والسنة دالان على هذين الأصلين الكبيرين: أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، وأن النفع والضر بيده عز وجل، وآيات القرآن الكريم تثبت علم الله تعالى للغيب، وتنفيه عما سواه سبحانه؛ مما يدل على أنه من خصائص ربوبيته عز وجل.
ففي آية الأنعام ” وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ” الأنعام:59. وفي آية يونس ” فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ لله ” يونس:20. والجن الذين يعتقد كثير من البشر أنهم ينفعون ويضرون من دون الله تعالى، وأنهم يعلمون الغيب أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما علموا بموت سليمان عليه السلام وقد استعبدهم واستعملهم، ومات بينهم، ولو علموا الغيب لعلموا بموته، وكفوا عن خدمته ” فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ “سبأ:14. وأما الضر والنفع فقد خوطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بقول الله تعالى ” قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ” الجنّ:21. وخوطب من اعتقدوا أن معبوداتهم تنفعهم أو تضرهم من دون الله تعالى بقوله سبحانه ” قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ” الإسراء:56. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما ” واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف” رواه الترمذي.
من موقع الالوكة الإسلامي