بمناسبة شهر التراث بأدرار

وعدة سيدي سليمان بن علي.. إحياء محطة روحانية من التراث العريق

وعدة سيدي سليمان بن علي.. إحياء محطة روحانية من التراث العريق

تعيش ولاية أدرار هذه الأيام لوحات دينية وتراثية تعبر عن عمق موروث التصوف، وذلك من خلال زيارات ووعدات سنوية للأولياء الصالحين، ومن بين أهم الزيارات السنوية التي تشهدها المنطقة هذا الشهر، زيارة زاوية الولي الصالح سيدي سليمان التي أصبحت مزارا لمن يريدون انتهاج سنّة الحبيب المصطفى والنهل من وسطية الدين الحنيف .

تشكل الوعدة السنوية لزاوية الولي الصالح سيدي سليمان بن علي المعروفة بـ “زيارة سيدي سليمان” بقصر أولاد أوشن ببلدية أدرار التي يحتفل بها في مثل هذا اليوم من كل سنة، محطة روحانية من التراث المحلي العريق.

فبالموازاة مع أداء مراسم ختم تلاوة القرآن الكريم المعروفة بـ “السلكة” ترحما على روح الولي الصالح صاحب أقدم زاوية بإقليم “توات”، يطلق ساكنة القصر العنان لمختلف الطبوع الفلكلورية المحلية احتفاء بهذه المناسبة التراثية التي تستقطب مئات الوافدين من مختلف جهات الولاية.

ويعتبر طابع “طبل الشلالي” الذي سيقام بساحة القصر، الاثنين، أهم حدث فلكلوري الذي يحرص ساكنة القصر وزوارهم من عائلات وأفراد على عدم تفويته للاستمتاع والفرجة بالأداء المتميز والشيق لهذا العرض التراثي من طرف شيوخ المديح.

وأشار فنان الطرب المحلي العايدي مبروك وهو من ساكنة المنطقة ومهتم بتراثها الشعبي في تصريح لـ “وأج” إلى أن هذه التظاهرة السنوية تعتبر أيضا فرصة للتعريف بمختلف الطبوع الفلكلورية الأخرى التي تشتهر بها المنطقة على غرار “البارود” و “الحضرة” و “القرقابو” والتي تستهوي عشاقها للمشاركة في أدائها بكل شغف إكراما لشخصية الولي الصالح.

كما يعد “أهلليل” المصنف تراثا عالميا بإقليم قورارة بولاية تيميمون “ضيف شرف سنوي” في هذه التظاهرة الروحانية من خلال تقديم قصائد هذا اللون التراثي بمنصة ساحة القصر من طرف الجمعيات الثقافية الوافدة من قصور دائرة أوقروت بجنوب ولاية تيميمون.

وفي هذا الجانب، أوضح محافظ مهرجان “أهلليل” أحمد جولي الذي يحرص شخصيا على مرافقة هذه الجمعيات إلى قصر أولاد أوشن، أن حرص فرق “أهلليل” على المشاركة في زيارة الولي الصالح سيدي سليمان بن علي يترجم مكانة هذه الشخصية التي وضعت لبنة لروابط تاريخية واجتماعية متينة وراسخة بين ساكنة إقليمي “قورارة” و”توات” منذ القدم.

وفي السياق ذاته، رسمت نوادي رياضة الفروسية لوحة تراثية بهيجة من خلال أداء عروض “الفنتازيا” بالساحة التي تتوسط بساتين قصر أبي عبد الله المحاذي لقصر أولاد أوشن، بحضور عشرات الزائرين من هواة ومحبي مشاهدة هذا النشاط التراثي الترفيهي الذي يعكس أصالة ساكنة المنطقة

وتشبثهم بمكونات تراثهم الشعبي.

وتشكل هذه الألوان من الطبوع مجتمعة لوحة فسيفسائية لمختلف الألوان التراثية المعروفة بالمنطقة، مما جعل من هذا الموعد الروحاني عامل ضمان للتراث واستدامته والحفاظ عليه جيلا بعد جيل، سيما في ظل حرص عديد الحاضرين على مشاركة تلك الأجواء عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

هذا، ولا يختلف اثنان على أن المجتمع الأدراري مشبع بدور الزوايا، وكنهها التاريخي والسوسيولوجي، لأن الزوايا بهذه الولاية، تعد لبنة أساسية في بناء هذا المجتمع مشكلة بذلك منارات دينية وعلمية ساهمت منذ القدم في نشر الحركة العلمية وقبلها الدينية.

تعد الزوايا مؤسسة دينية ذات طابع اجتماعي روحي، تنتشر في أدرار عبر أقاليمها الثلاثة “قورارة، توات، تيديكلت “، كما أنها ليست وليدة اليوم، بل توارثها الأحفاد عن أجدادهم، فهي بذلك ضاربة في عمق التاريخ.

ويعود تاريخ نشأة الزوايا حسب المؤرخين والباحثين إلى تاريخ الإنزال البشري بالمنطقة لأن الإنسان الأدراري منذ نشأته التصق بصفة الكرم والترحيب بالضيوف، ولاسيما عابري السبيل؛ وخير دليل على ذلك أن أغلب قرى وقصور المنطقة ترتبط أسماؤها بالزاوية التي تُنسب لمؤسسها، فتجد زاوية كنتة نسبة للشيخ سيدي محمد الرقاني الكنتي، وتجد زاوية سيدي علي بن حنيني بزاجلو نسبة للشيخ سيدي علي بن حنيني، كما تجد زاوية الرقاني نسبة لمؤسسها الشيخ مولاي عبد الله الرقاني وغيرهم.

ق. م