على الرغم من اتساع المساحة والتنوع الجغرافي وعمق التاريخ وتعدد الحضارات الذي حظيت به الجزائر، ما جعلها من أكثر الدول تنوعا إثنيا وثقافيا، مقارنة بدول جارة مثل تونس والمغرب، ظل الاهتمام بهذا التنوع الثقافي الشعبي محتشما.
كما تزخر بلدنا أيضا بمعالم تاريخية لا تعد ولا تحصى وتحف أثرية نادرة في العالم تبرز مختلف الحضارات التي تعاقبت على الجزائر منذ فجر التاريخ وحتى عينات من الحضارة الفرعونية والإغريقية، يمكن أن تكون قبلة للملايين من السواح التواقين إلى استكشاف علاقة الإنسان بالبحر واليابسة على مدار آلاف السنين، وما قد يدره ذلك على البلاد من إيرادات قد لا تقل عن مستويات مبيعات النفط والغاز وحتى الإنتاج الزراعي.
في هذا الصدد يقول مراد بن عيسى، مدير دار الثقافة “أحمد رضا حوحو” ببسكرة، عن الحياة الثقافية فيصفها بـ “مظاهر التفكير والمعتقدات السائدة في المجتمع تجاه النواحي الحضارية كالعلوم والفنون والآداب، ولكون هذه المظاهر الثقافية والفنون المختلفة هي المرآة العاكسة لوضع المجتمعات ووسيلة في ذات الوقت لتنميتها وازدهارها من خلال طرح أفكار جديدة لتحسين شروط الحياة من خلال محاكاة الواقع والمحاولة الجادة للسمو عنه، وإعلاء قيم الجمال والرقي”.
وأضاف أن الحكومة “الجديدة” أدركت أخيرا أن الثقافة لبنة مهمة في تحقيق التعايش واللحمة الاجتماعية والتنوير ومقاومة التطرف والانغلاق إضافة إلى دورها في الإنعاش الاقتصادي.
وينوه بن عيسى إلى أنه كان لزاما عليهم كمسؤولين البحث عن سبل جديدة لجزائر جديدة ورسم ملامح رؤية وإستراتيجية متكاملتين نابعتين عن حس ثقافي ووعي فني، مع إدراك مدى أهمية التركيز على الثقافة والفن وإحياء التراث بوصفها عناصر أساسية لتعزيز الانتماء الوطني، وترسيخ الهوية، وتحقيق التنمية الثقافية المنشودة.
وتابع قائلا: “لقد أثبت الواقع العلمي الثقافي والاقتصادي أن الاهتمام بموضوع الثقافة الشعبية ليس ظرفيا وليس غريبا، بل هو ضرورة ملحة تفرضها إشكاليات الأصالة والمعاصرة وإشكاليات البحث في الهوية وفي التاريخ الاجتماعي الثقافي الشعبي. والظاهر أن الحكومة “الجديدة” أدركت أخيرا أن الثقافة لبنة مهمة في تحقيق التعايش واللحمة الاجتماعية والتنوير ومقاومة التطرف والانغلاق إضافة إلى دورها في الإنعاش الاقتصادي، لذا تتوجب رعايتها وحماية مكوناتها وكذا رموز الثقافة الجزائرية، ولكي لا تبقى الثقافة قطاعا جامدا لا بد من التعجيل بوضع الثقافة في السياق الاقتصادي.
واختارت وزارة الثقافة والفنون شعار “ثقافتنا في وحدتنا وتنوعنا” عنوانا للدخول الثقافي الجديد، وهو ما يعكس وجود اقتناع لدى هذه الحكومة بضرورة التثمين الاقتصادي للتراث الثقافي من أجل ضمان التنمية لفائدة الأجيال الحالية والقادمة، من خلال ربطه بالسياحة المستدامة.
وتؤكد وزارة الثقافة أن المواقع الأثرية والفضاءات التاريخية المحمية التي تضرب في عمق التاريخ “تشكل رصيدا ثمينا بحاجة إلى تثمين ليتحول إلى مواقع استقطاب تولد الثروة وتساهم في بناء الاقتصاد البديل”.
كما أن استحداث النشاطات المثمنة ذات الصلة المباشرة بطبيعة هذه المواقع وأبعادها الحضارية من شأنه “المساهمة في بعث حركية تحول هذه المواقع إلى أقطاب لنشاطات خدماتية وتجارية مولدة للثروة، لكن ذلك يبقى مرهونا بتحويل الأقوال والأفكار إلى أفعال على أرض الواقع، والتخلص من “الكسل”.
ب/ص