يعاني الصيادلة خلال صرفهم للوصفات الطبية من الخط غير المقروء والكتابة الرديئة في الوصفات الطبية التي حررها الأطباء لمرضاهم، الذين يقصدونهم من أجل اقتناء الدواء الذي يصعب على الصيدلي صرفه في أحيان كثيرة.
ويجمع الصيادلة على مصادفتهم اليومية لوصفات لا تكاد تحوي سوى خطوط شبيهة بالرسم البياني لتخطيط القلب، تجعل الصيدلي يقف عاجزا أمامها خاصة مع خوفه من صرف الدواء الخطأ الذي قد يضر بحياة المريض.
قراءة خاطئة قد تودي بحياة المريض
صعوبة قراءة الوصفة الطبية ورداءة خط الأطباء أمر معروف ولا يختلف عليه اثنان، وهو أمر اعتيادي لا ينكره حتى الأطباء أنفسهم، ويظل مقبولا ومسلما به، لكن ما أثار حفيظة الصيادلة الذين تحدثنا إليهم هو وصول الصعوبة حد الاستحالة، ما يدخل الصيدلي في عملية مد وجزر واستشارة مع زملائه مخافة أن يقرأ الوصفة بشكل خاطئ ويصرف الدواء الغلط، وحول هذا الموضوع كان لـ “الموعد اليومي” حديث مع بعض الصيادلة الذين
وجدوا في موضوعنا متنفسا لهم وفرصة للحديث عن مطلبهم، “زهيرة” صيدلية من الحراش قالت بأن الخط الرديء للوصفات أصبح هاجسا يؤرقها خلال تأديتها لعملها اليومي، ما يدخلها في دوامة من القلق خاصة إذا تكرر ذلك خلال اليوم الواحد، فإضافة للمجهود الذي تبذله، فهي تضيع الكثير من الوقت حتى تتمكن من فك الحروف وقراءة الدواء المُدون بطريقة صحيحة، من جهته يقول زميلها “فؤاد” بأنه يواجه ما يزيد عن 4 وصفات طبية خطها رديء وشبيه بالطلاسم، ما يجعله يمتنع عن صرفها وهنا يدخل في مواجهة مع المرضى الذين يسقطون غضبهم عليه، ويضيف قائلا: “نحن في مواجهة يومية مع إشكالية التعامل مع الوصفات الطبية التي تشترك جميعا في رداءة الكتابة، ولكن ما يميز بعضها أنها شبيهة بالرموز التي يصعب وقد يستحيل فكها، وهنا إما أن نتصل بالطبيب على رقم الهاتف الموجود في الوصفة، أما إذا كانت محررة في مستشفى أو عيادة طبية، فإننا نضطر لإعادة المريض إليها وطلب إعادة تحرير الوصفة بخط واضح، وهنا غالبا ما نضطر لمواجهة المرضى الذين ينعتوننا بالجهلة لأننا لم نستطع قراءة وصفة طبية”، أما “أمال” صيدلية بحي بلكور فتضيف إلى ما قاله من سبقوها أن الأخطاء في كتابة الأسماء مشكل آخر يواجهه الصيدلي، وتقول: “الخط الرديء ليس فقط كتابة الدواء وإنما الأسماء أيضا، إذ أننا نصادف يوميا مشاكل مع بطاقات الشفاء بسبب حرف واحد، فخطأ واحد في حرف واحد، يكون غير متطابق مع ما جاء في بطاقة الشفاء، فإن الوصفة يتم رفضها، بالتالي يدخل المرضى معنا في مناوشات لجهلهم بهذه الأمور التنظيمية، ونداؤنا هنا نوجهه للأطباء، فمن الأحسن لهم ولنا وللمريض أن يتم اعتماد الكتابة الإلكترونية للوصفة الطبية، يعني تحريرها عبر الحاسوب، فبهذه الطريقة تكون الكتابة واضحة جدا ونسبة الوقوع في الأخطاء صفر”.
صعوبة قراءة الوصفة تتسبب في وفاة شيخ

تسببت، مؤخرا، صعوبة قراءة وصفة طبية في وفاة شيخ في 67 من عمره بولاية وهران، والقصة بدأت بتقديم الضحية وصفة دوائه الطبية لصيدلي، ولأن الأخير لم يتمكن من قراءة اسم الدواء المكتوب لصعوبة الخط المدوّن به منح للمريض دواء خطأ، فعِوض أن يمنح الصيدلي للشيخ دواء خفض ضغط الدم “أملور” منحه دواء “سيقلور” الذي يرفع الضغط، والنتيجة إصابة الشيخ المنحدر من ولاية أدرار والمصاب أصلا بمرض ارتفاع الضغط الدموي، بمضاعفات خطيرة تسببت في مفارقته الحياة، وقصص أخطاء الصيادلة كثيرة، المتسبب فيها دائما الوصفات الطبية المدوّنة بخط مُبهم، لدرجة أن كثيرا من أصحاب الصيدليات وتجنبا للمشاكل، يضطرون للاتصال هاتفيا برقم الطبيب المدوّن على الوصفة الطبية للتأكد من اسم الدواء قبل بيعه للمريض.
تعاون الأطباء يقلل من حدة المشكل والكتابة الإلكترونية تقضي عليه

من جهته، يتحدث صيدلي آخر بشارع حسيبة بن بوعلي، عن نفس الإشكال مع الوصفات غير واضحة الكتابة، لكن المشكل الذي يزيد مهامه تعقيدا هو عدم رد الأطباء على اتصالاته للسؤال عن محتوى الوصفات التي يكون الخط فيها غير واضح، ويقول: “في بعض الأحيان يكتفي الطبيب بكتابة الحرف الأول من الدواء ويتبعه بخط طويل، وعلينا بعدها كصيادلة الاستنتاج؟ وقد لا تشمل الوصفة على المعلومات الكاملة للدواء المدون، مثل الجرعات اللازمة تبعا لسن المريض ومرضه، وهذا يسبب لنا مضيعة كبيرة للوقت، وفي الواقع نحن نعاني كثيرا في فك محتوى الوصفات ونجتهد كثيرا من أجل صرف الدواء للمريض، لكن ما يزيد المشكلة تعقيدا وما يثيرني أكثر هو ألا يرد الطبيب على اتصالاتنا أو ألا يتذكر صاحب الوصفة -المريض- أصلا، ما يجعلنا نعيد المريض إلى طبيبه وإحضار وصفة واضحة يصرف على ضوئها العلاج”.
أما “محمد” صيدلي في بلدية براقي فيقول: “صحيح أني أتوصل إلى قراءة جل الوصفات المقدمة لي ونادرا ما أرجع وصفة، حتى أن زملائي كثيرا ما يستنجدون بي، بحيث يرسلون إلي المرضى بعد عدم تمكنهم من قراءة الوصفات، غير أنني أندهش أحيانا، ولا أتمكن من قراءة بعضها بسبب الخط الرديء جدا”.
أما “سليم” فيقول إنه يواجه بصفة يومية إشكال الوصفة الطبية رديئة الخط، وأنه يجد نفسه أمام خيار من ثلاثة لفك “كود” الوصفة -حسبه-، حيث قال بأنه إما أن يتصل بالطبيب لمعرفة الأدوية الموصفة وجرعاتها، أو أن يعيد إرسال المريض للعيادة ليحضر وصفة واضحة، وإما أن يسأل المريض عن طبيعة مرضه محاولا إيجاد الدواء المناسب لحالته المرضية.