“أنا إطار سامي في الدولة وسأحل لك المشكلة خلال أيام”، صهري يعمل مع الرئيس وله علاقة وطيدة مع كل حاشيته”، “أعرف الوزير الفلاني وأمس كنت معه في حفل زفاف ابنة الدبلوماسي الفلاني” كلها عبارات
لأشخاص احترفوا انتحال الصفة، ليحولوها إلى مهنة لاصطياد ضحايا أكثرهم مسنين أرهقتهم البيروقراطية في قضاء حوائجهم، ودفعتهم سذاجتهم لتصديق مثل هؤلاء فيقدمون كل ما يملكون مقابل قضاء مصلحة معينة.
ضحايا مثل هذه التصرفات يملأون أروقة المحاكم، والغريب أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر، وهذا ما كشفه لنا المحامون أثناء تواجدنا بمجلس قضاء الجزائر أين ذكروا أن قضايا الانتحال أصبحت تنافس قضايا المخدرات والقتل، وهم يسردون لنا بعض القضايا نبهوا إلى أن المتهمين لهم قدرة خارقة في الإقناع، يخدعون بها حتى المحامين الذين لهم خبرة في الميدان، وحسب المصادر ذاتها فإن كل محكمة تسجل ما بين 10 و20 قضية شهريا.
30 مليون وجهاز ابنتها لمحامي مزيف
سجلت محكمة بئر مراد رايس قضية انتحال بطلها شاب في الأربعينيات، كانت ضحيته سيدة أتعبها المشوار بين الجزائر والبليدة لحضور قضية ابنها المتابع في قضية مخدرات، فكانت تظن أن لقاءها بالمتهم كان مخرجا لمشاكلها لتصطدم بحقيقة مرة أنها كانت ضحية لمحتال استولى على ما تبقى لها من ادخار الزمن.
بداية قصتها كانت بمحكمة البليدة بعد خروجها من جلسة محاكمة ابنها الذي استأنف القضية بهذه الأخيرة بعد الحكم عليه بالمحكمة الإبتدائية للشراقة بـ5 سنوات سجنا نافذا، خرجت خلالها السيدة محبطة بعد قرار محكمة البليدة تأييد الحكم المذكور، وكان المتهم يترصد تحركاتها وهو يلاحظ عليها علامات الحيرة والأسى والصدمة للحكم الصادر، فتقرب منها وعرفها بنفسه على أنه محامي وعندما روت له قصة ابنها، وثبوت تورطه في القضية عرض عليها المساعدة ووعدها بإخراجه في ظرف شهر، فقط الأمر يحتاج إلى المال، فأخبرته أنها مستعدة لتقديم كل ما عندها في سبيل إخراجه، توطدت العلاقة بن السيدة والمحامي المزعوم، الذي لجأ لإنجاح خطته بحث السيدة على عدم زيارة ابنها طيلة الفترة المقبلة وسيتكفل هو بمهمة الزيارة ونقل أخباره، خلال تلك الفترة قامت هي بمنحه مبلغ 30 مليون على دفعات كانت مصوغاتها جزءا منه، ولم يكتف هذا الأخير، وطالب بالمزيد فلم تجد المسكينة سوى بيع جهاز ابنتها حيث بدأت في بيع بعض الأشياء الثمينة، وكانت تنوي بيعه بالكامل لولا أنها شعرت بالحنين لابنها الذي لم تراه منذ شهر فقررت زيارته دون العودة إلى المحامي، فكانت صدمتها قوية عندما أخبرها هذا الأخير أن المحامي الذي تتحدث عنه لم يزره أبدا، وأن ما نقله على لسانه لا أساس له من الصحة، لتكتشف أنها وقعت ضحية لمحتال قامت فور ذلك برفع دعوى على المتهم لتمثل هي كضحية أنستها رغبتها الجامحة في احتضان ابنها، وجود أشخاص ماتت مشاعرهم وأصبح المال هو وسيلتهم وغايتهم معا.
استنجد به ليحرمه من معاشه ثلاثة أشهر كاملة
هي قضية نظرت فيها محكمة سيدي أمحمد مؤخرا فقط لمسن يسكن بشارع العربي بن مهيدي، يقول أنه يقصد كل شهر مركز البريد لاستلام معاشه، ومنذ أربعة أشهر استعان بأحد الشبان لكتابة المبلغ بالصك البريدي بعد أن كان في السابق يوكل المهمة لأبنائه في البيت وعندما يقصد المكتب يودعه فقط، أين قدم له الشاب خدمة وأخبره أنه ابن وزير هو اليوم في حكومة عبد المالك سلال، فسعد الشيخ بذلك وأخبره أنه يجد أحيانا صعوبة في سحب معاشه بسبب الاكتظاظ وأحيانا سوء معاملة الموظفين له، فأخبره المتهم أنه من هنا فصاعدا سيوصي عليه العمال وستعطى له الأولوية في السحب، فاستلم يومها معاشه، إلا أنه في الشهر الموالي لم يجد أي مبلغ في رصيده، كان يظن أن خللا ما حدث وانتظر الشهر الثاني فالثالث، ليخبر إبنه بعدها الذي اكتشف بعد الاستعانة بأحد معارفه بمركز البريد أن هناك شخصا يقوم بسحب المعاش شهريا وتبين أن المعني على إطلاع واسع بالعملية جيدا، ليتضح أثناء المحاكمة أنه تعود القيام بذلك كونه كان يعمل في مركز بريد بشرق العاصمة وتم توقيفه عن العمل بسبب قضايا مشابهة.
عقوبات رادعة ومشروع تشديد في الأفق
الانتحال حسب المحامين جريمة يعاقب عليها القانون، حيث أكدت السيدة فاطمة الزهراء تواتي محامية لدى المجلس أن القانون صريح وواضح، فالمادة 242من قانون العقوبات، تنص على أن كل من تدخل بغير صفة في الوظائف العمومية أو المدنية أو العسكرية أو قام بعمل من أعمال هذه الوظائف يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات ما لم يكن فعل الجريمة أشد، فيما تعاقب المادة 243 كل من استعمل لقبا بغير حق أو أي مهنة نظمتها السلطة العمومية ،كما جاء في المادتين 244 و246 أنه يعاقب كل من استعمل أو ارتدى بزة نظامية أو لباس مميز لوظيفة أو إشارة أو وسام من غير حق، وتعاقب المادة 247 من انتحل اسم أو لقب عائلي في محرر عمومي أو في وثيقة إدارية معدة لتقديمها إلى السلطة العمومية،
ونوهت المتحدثة أن المادة 372 اعتبرت كل شخص يستعمل أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي بهدف النصب والاحتيال على الغير يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من 500 إلى 20000 دج.
في المقابل، أسرت مصادر من وزارة العدل لـ “الموعد اليومي” أنه يتم حاليا إمكانية إعادة النظر في بعض العقوبات بتشديدها بعد أن تزايدت عدد القضايا بها، ومن بين هذه الأخيرة قضايا انتحال الصفة، حيث تسجل الوصاية يضيف المصدر وفي إحصائها السنوي لعدد القضايا أن قضايا الانتحال خلال الـ10 سنوات الأخيرة ارتفعت من سنة إلى أخرى، وهو ما جعلها تفكر في مواد رادعة أكثر لوضع حد لهذه الظاهرة.
تزايد الظاهرة سببه الأوضاع الاجتماعية المزرية
يرى علماء الاجتماع أن معظم ضحايا قضايا الانتحال هم مواطنون بسطاء يعانون أوضاعا اجتماعية مزرية، وصل حدود القنوط فيعتقدون أنهم عند مقابلتهم لشخصيات ذات نفوذ أنهم وجدوا مخرجا لمشاكلهم فيقدمون ما عندهم دون التفكير للحظة واحدة في أن هؤلاء محتالون يستغلون سذاجتهم وحاجتهم لذلك، حيث ذكر الأستاذ حسين عبد اللاوي، أن ظاهرة الانتحال تزايدت وتيرتها ومن خلال الدراسات المقدمة بالجامعات توصلت جميعها أن السبب الأول لها هو ما ذكر سابقا أي أن حاجة المواطن الملحة لقضاء مصالحه ومعاناته للوصول إلى ذلك بسبب البيروقراطية جعلته يصدق أي شخص يعرض عليه حل كل ذلك ولو كلفه الأمر كل ما يملك.