ورحلت أوراق التقويم الهجري

ورحلت أوراق التقويم الهجري

 

في هذه الأيام من كل عام، يقِفُ المسلم وقفةَ اعتبار وتفكُّر؛ لأنه يُودِّع من حياته عامًا مضى بما له وما عليه، وتمضي أوراق تقويم سنة كاملة، ولا يدري ما الله قاضٍ فيها، ” وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ، إن العاقل وهو يزيل آخر ورقة من تقويم العام، لا بُدَّ له من نظرةٍ يُلقُيها على سجلاته وصفحات حياته، فكلُّ ورقةٍ تُزال لن تعود!. فيا تُرى هل بيّضنا صحائف تقاويمنا أم امتلأت بما يُستحيا من ذِكرِه..؟ فإذا كانت غالب أعمار أمّة محمد صلى الله عليه وسلم بين الستين والسبعين عام، فانظر ما مضى من عمرك وما بقي.. وكيف مضى؟ وبماذا مضى؟ والله المستعان..

إن التقويم الهجري السنوي لم يكن معمولاً به في أول الإسلام، حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم، فقال بعضهم: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلَك ملِك أرخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك أيضاً، فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرَّخوا من الهجرة، واتفقوا على ذلك.

ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداءً السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم، لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم الذي به تمام أركان الإسلام، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام.