وخير جليس في الزمان كتاب

وخير جليس في الزمان كتاب

 

يقول المثل العربي: “مجدُ التاجر في كيسه، ومجد العالم في كراريسه”؛ وذلك لأن الكتاب جليس العالم وأنيسه، وحبيبه ومشيره، يسهر معه ويسامره، ويؤنسه ويتودد إليه، فينور فكره وعقله، ويضيء دربه وطريقه، فهو نعم الصاحب، وأفضل الصديق، وأوفى الرفيق، يفيض على جليسه حِكَمًا وآدابًا وفنونًا ومعارفَ؛ الكتاب عنوان للسعادة، ودليل للفهم، وسبب لانفتاح العقل، وجمال للمكان، وقرين في العزلة، وسمير في الليالي، وبوابة للارتقاء بالإنسان وبنائه، وتكوينه العلمي وصقل مواهبه، له لذة ونشوة عجيبة، وطعم ومذاق خاصٌّ لا يعرفه ولا يحس به إلا محبوه، جمع الكتابُ المجدَ والشرفَ، والعزَّ والسؤدد بين دفاتره، وأودع الخبرات والتجارب بين صفحاته، فهو رأس مال العالم والمفكر، وكنز الباحث وطالب العلم على السواء، يثري العقول والقلوب، قال تعالى ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ” العلق: 1، ومنهجها: ” ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ” القلم: 1، ورؤيتها ” الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ” الرحمن: 1 – 4.

الكتاب سلوةٌ للمصاب، وطرد للوسواس، وانشراح للصدر، وبهجة للنفس، وغذاء للعقل، وراحة للروح، ومنبع للمعرفة، وجبر للخاطر، وتصفية للذهن، وسعادة للقلب، وزوال للهمِّ، وتخفيف للغمِّ، وميدان للمكارم، فيه عِبَرٌ وعَبَرات، وأخبار وآيات، وتاريخ النبلاء الأخيار، وقصص الصالحين الأبرار، وذكرى الأمم والبلدان، والأمصار والأقطار، وقد كان السابقون يقتنون الكتب ويحبونها، ويعيشون معها، ويدمنون على قراءتها ومطالعتها، فهذا الحسن اللؤلؤي يقول: “غبرتُ – أي: مكثتُ – أربعين عامًا، ما قِلْتُ – من القيلولة – ولا بِتُّ ولا اتكأت إلا والكتاب موضوع على صدري”؛ وكان الجاحظ يكتري الدكاكين من الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب وقراءتها، ويقول ابن الجوزي: “ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أَرَهُ، فكأني وقعت على كنز… ولو قلتُ إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب”.