عندما تموت خيوط الشمس الذهبية ويظهر الشفق الأحمر، يرحل الغروب في صمت، ويبدأ ظلام الليل الحالك يزحف شيئا فشيئا، تستعد النجوم ببريقها الساطع لتنتشر في كبد السماء، فيأتي القمر كأمير يتربع على عرشه بضوئه الخافت الدافئ والذي يوحي بالرومانسية، حينها أجلس أنا على الشرفة المطلة على الحديقة بأشجارها الوارفة الظلال وورودها الجميلة المختلفة الألوان
والتي يغمر رحيقها الخياشم خاصة زهر الياسمين الذي تزداد حدة عطره مع حلول الظلام، فينعش صدري ويطمئن نفسي، أطبق يداي وتتشابك أصابعي بحركة لاإرادية، أتنفس بعمق شديد
وأسترخي على ذلك الكرسي الخشبي العتيق الصنع، أمد بصري بعيدا.. بعيدا وكأني أبحث عن طيفه الهارب في هذا الليل الموحش وأنتظر قدومه مع الملائكة والأبرار الذين تملأ روحهم الطاهرة السماء ويأتون لزيارة الأحياء البشرية دون أن يشعروا فيوزعون عليهم المحبة والأمن والسلام الليلة تلوى الليلة..
أتحرق شوقا إليه وينفطر فؤادي لأن الساعات التي تمر من دونه هي الموت بعينه، فكلما وضعت راحة يدي على صدري ووجدت قلبي ينبض أستغرب الأمر وأتعجب، كيف أعيش وأحيا وهو بعيد عني؟ هل حقا مازلت على قيد الحياة، أكل وأشرب، أتنفس.. أكتب دون وجوده إلى جانبي، المرارة تملأ حلقي، الألم يمزقني، الشوق يشتت أفكاري، أحترق وتملأ الدموع أحداقي، كل الأشياء الاعتيادية التي أقوم بها وهو ليس معي لا معنى لها ولا طعم ولا ذوق، أصبحت جسدا بلا روح..
لم يستطع حناني المتدفق كالأنهار والبحار أن يقتل هذا الزمن المقيت الذي يفصل بيننا، تؤرقني لوعة النوى، فلا أذوق طعم السعادة والهناء كبقية البشر.. أشواقي سيول جارفة وجداول نازفة لن تتوقف، متعبة أنا ومرهقة، ليت هذا القلب الكامن بين ضلوعي مضغة ميتة أو لا يؤدي سوى وظيفة فيزيولوجية بحتة، ليته مجرد من الروح، إذن لكنت هانئة بعيشي وليس شقية معذبة وسجينة نار متأججة في صدري تحرقني في كل لحظة وثانية، أحاول أن أرتاح من عذابي الأليم وأتوق للحرية من هذا القيد الحديدي الذي يأسرني لكني لا أجرؤ … ما يقتل العاشق سوى طول النوى..
بقلم القاصة: أمال عسول