قامت المُؤَامَرَةُ وَلَمْ تَنْتَهِ، تَعَاوُنٌ بَيْنَ الصَّهَايِنَةِ وَغَيْرِهِمْ منْ أَعْدَاءِ المُسْلِمِينَ، فِي حَرْبِ إِبَادةٍ عَلَى شَعبٍ أعزلَ، ليسَ لهُ ذَنْبٌ إلَّا أنَّهُ يَدِينُ بِالِإسْلَامِ وَيَبْتَغِي تَحْرِيرَ أَرْضِهِ مِنْ مُحْتَلٍّ غَاصِبٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ عَشَراتِ الآلَافِ، ثُمَّ هُمْ يَمْكُرُونَ لَيْلَ نَهَارَ لِطَرْدِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا وَإِنَّنَا نَعْلَمُ يَقِيناً أَنَّ هَذَا الطُّغْيَانَ وَالظُّلْمَ عَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَلْيُبْشِرُوا بِغَضَبِ العَزِيزِ الجَبَّارِ ذِي الانْتِقَامِ. أَيْنَ فِرْعَوْنُ الذِي طَغَى وَتَجَبَّرَ، وَأَرَادَ تَهْجِيرَ المُسْتَضْعَفِينَ فَأَهْلَكَهُ اللهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: “فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا” الإسراء: 103، وَأَيْنَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ وَأَئِمَّةُ الكُفْرِ فِي مَكَّةَ لمَّاَ أَخْرَجُوا النَبِيَّ ﷺ مِنْهَا؛ فَعَجَّلَ اللهُ عُقُوبَتَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: “وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا” الإسراء: 76. إنَّ المُسْلِمَ عَزِيزٌ، لَا يَرْضَى أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ أَرْضِهِ، وَإِنَّ تَهْجِيرَ المُؤْمِنِينَ جَرِيمَةٌ شَنِيعَةٌ، وَإنَّ المُعَاوِنَ عَلَيْهَا شَرِيكٌ فِيهَا، فَالذِي يُخْرِجُ المُؤْمِنِينَ وَالذِي يُظَاهِرُ أَوْ يُعَاوِنُ عَلَى إِخْرَاجِهِم مُتَسَاوِيَانِ فِي الحُكْمِ وَالِإجْرَامِ، كَمَا قَرَنَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الجُرْمَيْنِ فَقَالَ: “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” الممتحنة: 9. فَكُلُّ مَنْ ظَاهَرَ وَأَعَانَ وَطَبَّعَ وَأَيَّدَ الصَّهَايِنَةَ فِي تَهْجِيرِ المُسْلِمِينَ عَنْ أَرْضِهِمْ، فَهُوَ مُجْرِمٌ عَدُوٌّ لِلْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ.
إِخْوَةَ الِإسْلَامِ: إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُوَالِيَ أَهْلَ الِإسْلَامِ أَيْنَمَا كَانُوا، فَكَيْفَ إِذَا كَانُوا فِي الأَرْضِ المُبَارَكَةِ، يُقَاتِلُونَ أَلَدَّ أَعْدَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالمُؤْمِنِينَ؟، وَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ فِي مَذْبَحَةٍ مُمِيتَةٍ، وَمَسْغَبَةٍ عَظِيمَةٍ، فَمَنْ لَهُمْ إِنْ تَخَلَّى عَنْهُمْ إِخْوَانُهُمْ فِي الدِّينِ؟، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” الحجرات: 10، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: “الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِه” المُسْلِمُ لَا يَتَخَلَّى عَنْ إِخْوَانِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَلَا يَخْذُلُهُم إِنِ اسْتَنْصَرُوهُ، وَهُمْ وَاللهِ بُحَّتْ أَصْوَاتُ اسْتِغَاثَاتِهِم، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ”. نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَبِهدْيِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكَمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر