وجوب احترام التدابير الوقائية لحصر الوباء ومنع انتشاره

وجوب احترام التدابير الوقائية لحصر الوباء ومنع انتشاره

 

لقد جاءت الشريعة الإسلامية لجلب المصالح ودرء المفاسد، وتحقيق مصالح العباد في الدارين، وسنَّت أحكامًا ونُظُمًا لتحصيل ذلك؛ منها: التداوي عند وقوع الأمراض، والتوقي من كل مؤذٍ آدميًّا كان أو غيره، والتحرز من المتوقعات حتى يقدم العدة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشه في هذه الدار من درء المفاسد وجلب المصالح… وكون هذا مأذونًا فيه معلومٌ من الدين ضرورة؛ وتقتضي المناسبة بيان ما يتبع اليوم من وسائلَ نافعة للوقاية من الوباء ومنع انتشاره؛ ومن ذلك: “الحجر الصحي” الذي اتبعته عدد من دول العالم لاتقاء وباء “كورونا كوفيد 19″، والمقصود بالحجر الصحي: عزل فرد أو جماعة من المصابين بمرض عن غيرهم؛ اتقاءَ انتقالِ الداء.

والـمَحجر الصحي: هو المكان الذي يُعزل فيه المصابون بالداء، والحجر قد يكون لمصلحة المحجور عليه كالذي لا يحسن التصرف، وقد يكون لمصلحة غيره كالحجر على المريض الذي سيعدي غيره، وقد ثبت بالتجربة أن حصر المرض في مكان محدود يتحقق معه حصر الوباء ومنع انتشاره. ومما يؤسس به في الشرع للحجر الصحي النهي عن الخروج من الأرض الموبوءة، ومنع الدخول إليها وقاية، وهو إجراء له شواهده وأدلته في شريعة الإسلام؛ ومما يعتمد في ذلك من عموم الأدلة قوله تعالى ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ” البقرة: 195، وقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ” النساء: 71.

ووردت نصوص نبوية صريحة في الحجر الصحي؛ منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد” صحيح البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم به – الطاعون – بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه”؛ صحيح البخاري، وهذا يعتبر تأسيسًا صريحًا لمشروعية الحجر الصحي وأصله. ووجهت الشريعة المريض إلى جملة من اليقينيات العقدية بكون ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبيان ما سيناله من الثواب والأجر إن أصابه هلاك؛ حيث مُنح ثوابًا عظيمًا يضاهي ثواب الشهادة إذا صبر واحتسب ومكث في بلده.

فالوباء قد يكون رحمة، وقد يكون عذابًا؛ فكونه رحمة فيما يترتب عليه من الثواب وما يُنال به من الأجر؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه – الطاعون – كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد” صحيح البخاري، وفي صحيح مسلم: “الطاعون شهادة لكل مسلم”، وإنما يكون شهادة لمن صبر واحتسب، وبوضع هذا الثواب والأجر تكون الشريعة قد راعت مصلحة الفرد والجماعة في آن؛ بإثابة الصابر ووقاية الجماعة.