الجدال نوعان: الجدال المحمود: وهو كلُّ جدالٍ أيَّد الحقَّ أو أوصل إليه بنِيَّة صالحة خالِصة وطريق صحيح. قال تعالى: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” النحل: 125، وقال عز وجل: ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ” العنكبوت: 46، وقال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ” قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ” هود: 32. والمجادلة بالتي هي أحسن: هي التي تكون على علمٍ وبصيرة، وبحسنِ خُلُق ولطفٍ ورِفْق ولِين، وحسن خطاب، ودعوةٍ إلى الحقِّ وتحسينه، ورد الباطل وبيان قُبْحه، بأقرب طريقٍ موصل إلى ذلك، وألاَّ يكون القصد منها مجرد المغالبة وحب العلوِّ؛ بل يكون القصد بيان الحقِّ وهداية الخلق.
والجدال المذموم: هو كلُّ جدال أيَّد الباطلَ، أو أَوْصَل إليه، أو شغل عن ظهور الحقِّ ووضوح الصَّواب، أو كان بغير علمٍ وبصيرة، فهو ناشِئ عن جهلٍ، وسوءِ خُلُق، وتعَصُّبٍ للرَّأي، والغرض منه: الظُّهور والفخر، فصاحبه يتعصَّب لرأيه، سواء كان على صوابٍ أو خطأ، وإن رُدَّ عليه بعض كلامه يَغضب، ولا تهدأ نفسُه حتى يتنازل مَن يناظره عن رأيِه.والجدال المذموم آفَةٌ عظيمة، وداءٌ عضال، وقع فيه كثيرٌ من المسلمين، وهو يُذكِي العداوةَ، ويورث الشقاوة، ويقود إلى الكذب، فإذا تجنَّبه المرء سَلِم من اللَّجاج، وحافَظ على صفاء قلبه. ومن الأسباب الباعثة على الجدال المذموم الغرور والكبرياء والخيلاء، قال تعالى: ” الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ” غافر: 35.وحذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الجدال المذموم؛ فقد أخرج الإمامُ أحمد والترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ضلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه، إلاَّ أُوتوا الجدلَ”، ثمَّ تلا: ” مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ” صحيح الجامع.