والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون

والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون

الأمانةُ خلُقٌ مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين، وفضيلةٌ من فضائل المؤمنين، عظَّم الله أمرَها ورفع شأنها وأعلى قدرَها، يقول جلّ وعلا: ” إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ” الأحزاب:72، ويقول سبحانه في وَصفِ عبادِه المفلحين المؤمِنين: ” وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ” المعارج:32. وقال الملكُ ليوسف عليه السلام: ” إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ” يوسف، 54 وقالت إحدى المرأتين عن موسى عليه السلام: ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ ” القصص 26، وعُرِف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة ولُقّبَ بالأمين قبل البعثة، وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة حيث فرح القوم بمقدمه صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمين. وأمانته صلى الله عليه وسلم كانت سببًا في زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بل إن الله جل وعلا وصف بها جبريل عليه السلام: ” نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ” الشعراء 193، وقال سبحانه: ” مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ “.

الأمانةُ أمر الله بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَض أداءَها والقِيامَ بحقِّها: ” فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ” البقرة: 283، ويقول جل وعلا: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ” النساء: 58، ونبيُّنا يقول: “أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك، ولا تخُن من خانك” رواه أبو داودَ. وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” رواه البخاري. إن من الأمور المهمة التي شرعها الله بين الخلق وجعلها من الصفات المحمودة بينهم وعليها ترتكز حياة الأمة أداءَ الأمانة؛ إذ إن الأمانة هي الرابطة بين الناس في أداء الحقوق والواجبات، ولا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع، ولا بين غني وفقير وكبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير وواجب الموظف ورأس مال التاجر وسبب شهرة الصانع وسر نجاح العامل والزارع ومفتاح كل تقدم بإذن الله ومصدر كل سعادة ونجاح بفضل الله.