ما تزال منظومتنا التعليمية تتخبط تحت وطأة مشاكل كثيرة، تتنوع بين مشاكل التلاميذ، الأساتذة، المناهج، الإدارة، العنف، وغيرها، ويعد الشغب داخل الأقسام من مشاكل التلاميذ التي تحسب عليهم، بالنظر لما تسببه من إعاقة لسير العملية التعليمية داخل الأقسام، ويمكن القول بأن القصص التي نسمعها بشكل يومي عن مثل هذه المشاغبات، والتي تزايدت بشكل ملحوظ، في السنوات الأخيرة، جعلت المدرسة الجزائرية، نموذجا فعليا لــ”مدرسة المشاغبين” المسرحية المصرية الشهيرة.
المدرسة الجزائرية.. إلى أين؟
يتم في الأوساط المدرسية، تداول قصص المشاكل والمشاغبات التي يثيرها التلاميذ داخل المدرسة، أو داخل القسم، حيث يعتبرها الأساتذة مشاكل مفتعلة عن قصد، بهدف استفزاز الأستاذ، وعرقلة سير الدروس والعملية التعليمية، كما يعتبرونها تصرفات خارجة عن نطاق الأدب، وسببا أساسيا للفوضى والتشويش الذي يحدث داخل القسم، ويعيق الإستيعاب لدى بقية التلاميذ.
في حين يتباهى الكثير من التلاميذ فيما بينهم، بما قاموا به من مشاغبات، باعتبارها تعكس الجرأة والذكاء، كما أن ما يسببونه من استياء للأستاذ، يعتبر لديهم ردا على ما يواجهونه منه من ضغط، أو عقاب، وغير ذلك، خاصة وأن العلاقة بين الأستاذ والتلميذ في المنظومة التعليمية التربوية الجزائرية تعتبر جد متشنجة، ومن جانب آخر تمثل المشاغبات لدى الكثير من التلاميذ متنفسا يكسر الركود والروتين الذي يطبع الحصة الدراسية، خاصة في ظل جمود المناهج، وطرق التدريس لدينا.
هجوم غير متوقع، “ثعابين” تجوب الأقسام
عرفت إحدى الثانويات في مدينة براقي خلال الأسبوعين الماضيين، جملة من المشاكل، والأخذ والرد بين الأساتذة، ومجموعة من التلاميذ برفقة أوليائهم، وذلك على خلفية ما حدث مع أستاذة، تفاجأت أثناء تقديمها للدرس، بموجة صراخ وفوضى داخل القسم، بسبب وجود ثعبان قام أحد التلاميذ بجلبه، وإطلاقه في حجرة التدريس، ما تسبب في هلع لدى التلاميذ، وإيقاف الدرس من أجل الإمساك بالثعبان، ومعرفة من أحضره، وحسب ما قاله الأعوان الإداريون، فقد أنكر جميع التلاميذ أن تكون لهم أي علاقة، بإحضار الثعبان إلى القسم، وافتعال المشكل، وادعى آخرون أنه دخل عبر النافذة من تلقاء نفسه، في حين يؤكد الجميع أن تلك الحجرة في الطابق الثاني، كما أن طريقة بناء نوافدها، تجعل من المستحيل أن يتمكن ثعبان أو غيره من دخولها.
وردا على هذا الموقف قامت الأستاذة المعنية، بتقديم تقرير للإدارة، بشأن التلاميذ المشتبه في كونهم وراء المشكل، وهم -حسب حديثها- متعودون على افتعال مثل هذه المشاغبات، وهو الأمر الذي أثار حفيظة التلاميذ وأوليائهم، الذين اعتبروا أن الأستاذة اتهمتهم بدون دليل، ما خلق مشكلا على مستوى الإدارة، لم يصل بعد إلى حل.
مقالب مفتعلة لوقف الدرس، نيران وروائح كريهة
وفي نفس المؤسسة أكدت أستاذة أخرى، أنها تعرضت لموقف مماثل في الأيام الأولى للسنة الدراسية الجارية، غير أن المشكل لم يكن ثعبانا، بل كان أخطر من ذلك، لأن التلاميذ قاموا بإضرام النيران في إحدى الطاولات، باستخدام بعض المواد الكيميائية سريعة الاشتعال، لتفاجأ بالطاولة وقد صارت كتلة ملتهبة، كادت تحرق التلاميذ الجالسين بالقرب منها، لكنها تجنبت اتهام أي أحد لأنها لم تتمكن من معرفة الفاعل، لأنها لا تمتلك دليلا ضد أحد.
وفي إحدى متوسطات العاصمة أيضا، تحكي لنا إحدى التلميذات، عما يحدثه زملاؤها من مشاكل ومشاغبات، حيث قاموا في إحدى المرات، بإحضار بذور نبات يشبه الفاصوليا، لكنه ذو رائحة جد كريهة، وبمجرد دخول أستاذ الفيزياء إلى القسم، قاموا بفرك البذور لتنتشر رائحتها وتملأ القاعة التي صار من المستحيل البقاء فيها، وذلك ليتخلصوا من الحصة الدراسية التي كانت الأخيرة في برنامج ذلك اليوم.
لكن الأستاذ وعقابا لهم على ما فعلوه من جهة، ولتكتمهم على الفاعل من جهة أخرى، ألغى الحصة الدراسية وخرج من القاعة، لكنه منعهم من الخروج حتى نهاية الوقت المحدد للحصة الدراسية، وهذا ليذوقوا ثمرة ما فعلوه.
العرس المدرسي بموسيقى “المفرقعات”
وتعد مثل هذه القصص مجرد نماذج عن سلوكيات الشغب داخل المدارس، لأن مظاهر هذه الأخيرة كثيرة جدا، ومنها ما أصبح أمرا عاديا كالمفرقعات مثلا خاصة مع اقتراب المولد النبوي الشريف، فرغم أنها ممنوعة داخل المدارس، إلا أن التلاميذ يجدون ألف طريقة لإخفائها، ومن ثم استخدامها داخل الساحة، أو حتى داخل الحجرة الدراسية.
وسواء تعاملت إدارة المدرسة بحزم مع الطلبة في هذا الشأن، أو تساهلت معهم، نجد أنه لا تخلو أي مؤسسة تعليمية في الجزائر من مثل هذه المظاهر التي يكون التلاميذ المتسبب الرئيسي فيها.
علماء النفس يشددون: “حاجة التلميذ للاهتمام وإثبات الذات، وراء افتعاله للمشاكل”
من جهتهم، يؤكد المختصون أن مثل هذه السلوكيات الصادرة عن التلاميذ، هي نتيجة للعديد من الأسباب على رأسها، حاجة التلميذ للاهتمام وإثبات الذات، فلأنه لا يحصل على الاهتمام الكافي سواء من الأهل، أو المسؤولين عليه في المدرسة، وكذا بسبب فشله في إثبات ذاته في الحياة العلمية، يندفع إلى محاولة لفت الانتباه من خلال افتعال المشاكل وأعمال الشغب، التي يحاول أن يقول من خلالها “أنا موجود وأستطيع أن أفعل شيئا يستفزكم”، ومن جانب آخر يؤكدون أيضا أن للمناهج وطرق التدريس دورها في تنمية مثل هذه السلوكيات، فالبرامج الدراسية طويلة ومكثفة، وتسبب الضغط للتلاميذ، بالإضافة إلى الطريقة المتبعة في التدريس، والتي يغيب عنها الديناميكية، والمحفزات، بل على العكس تتميز بالركود ويطغى عليها الروتين مما يخلق مللا لدى التلميذ، ما يجعل هذا الأخير يقوم بسلوكيات من هذا النوع لكسر الجمود والترفيه عن النفس.
ق. م