تحيي الجزائر اليوم العالمي للصناعة التقليدية هذه السنة في ظرف صعب مثل غيره من المجالات التي أثر عليها الغلق الصحي الذي فرضته السلطات بسبب جائحة كورونا، لكن ومع بداية الفتح بدأت بعض الحركة في هذا المجال من خلال تنظيم بعض المعارض عبر عدد من الولايات يحاول التجار من خلالها تعويض ما فات رغم ما يعانونه من ندرة في الإمكانيات الأولية ونقص في التسويق.
يتزامن الاحتفال باليوم الوطني للصناعة التقليدية مع شهر نوفمبر، وهو ما جعل بعض الحرفيين يغتنمون المناسبة لتنظيم المعارض الخاصة بالحرف التقليدية، حيث احتضنت الساحة المقابلة لمحطة القطار بولاية بومرداس، معرضا للصناعة التقليدية والحرف اليدوية، بمشاركة عدد من المنتجين النشطين في مختلف القطاعات من أجل التعريف بالإبداعات الفنية التي تسهر على تقديمها أنامل ذهبية ساهمت بشكل كبير في حماية هذا الموروث التقليدي الأصيل ونقله عبر الأجيال، وهذا بالتزامن مع ذكرى ثورة الفاتح نوفمبر وفرصة أيضا للحرفيين من أجل الاحتكاك وتبادل الخبرات وطرح معوقات المهنة.
وبمبادرة من غرفة الصناعة التقليدية والحرف لبومرداس، بالتنسيق مع مديرية السياحة والمنظمة الوطنية للنشاط السياحي، تتواصل فعاليات المعرض الولائي للحرفيين إلى غاية 11 نوفمبر الجاري، حيث أراد الحرفيون من خلال هذا النشاط السنوي الخروج من الدائرة الضيقة على المستوى المحلي بالبلديات والقرى النائية نحو الفضاء الرحب بعاصمة الولاية وبأكثر دقة أمام محطة القطاع، وهو خيار استراتيجي تبنته الغرفة منذ سنوات قليلة كبديل عن الفضاءات المغلقة بدار الثقافة ودار البيئة للتعريف أكثر بالمنتجات المعروضة وتوسيع هامش البيع والتسويق.
وبحسب المنظمين، يهدف المعرض إلى “تعريف المواطنين بمختلف المنتجات التقليدية المحلية وإعطاء فرصة أكبر للمنتجين والحرفيين والحرفيات النشطين في مجال الصناعة الجلدية، الألبسة التقليدية، صناعة الفخار والأواني التقليدية، صناعة السلالة ومختلف الإبداعات الفنية الأخرى، كإنتاج التحف والنقش على الخشب والزجاج لتسويق منتجاتهم في ظل التداعيات الاقتصادية الصعبة جراء جائحة كورونا التي أثرت سلبا على النشاط من حيث المردودية والمداخيل المادية”.
وضم المعرض أيضا، عدة أنشطة أخرى ومداخلات للتعريف بخدمات غرفة الصناعة التقليدية وأهم الامتيازات التي تضعها بين يدي الحرفيين في مجال التكوين واكتساب مؤهل وشهادة في التخصص لفتح الآفاق المهنية أمامهم من أجل إنشاء مؤسسات مصغرة والاستفادة من قروض الدعم على مستوى الوكالات المحلية منها وكالة القرض المصغر “أونجام”، الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة “كناك” والوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب “اونساج”، إلى جانب مزايا صندوق التأمين الاجتماعي لغير الأجراء “كاصنوص”.
ويسمح الاشتراك السنوي بالاستفادة من بطاقة الشفاء وحق التقاعد، وعدة تسهيلات أخرى تتعلق بتخفيض الضرائب وجدولة ديون الحرفيين الذين يعانون منذ سنوات بسبب هذه القضية الشائكة.
تسويق المنتوج حلم كل حرفي

من جهتهم، أكد الكثير من الحرفيين الذين شاركوا في هذا المعرض المتنوع للصناعة التقليدية أنهم يطمحون إلى توسيع مشاريعهم البسيطة، وذلك من خلال الحصول على محل، كما يتطلعون إلى تسويق منتجاتهم بسهولة في الأسواق، خصوصا وأن بيع منتجاتهم يقتصر على المواسم فقط.
وفي هذا الصدد، قالت آمال (47 سنة) حرفية في صناعة الحلويات والعجائن التقليدية إنها تمارس حرفتها منذ حوالي 27 سنة في بيتها، غير أن هذا الأمر يعرقلها وتحلم بتوسيع مشروعها في محلها الخاص بها لأن العمل بالبيت غير مريح ومزعج بالنسبة لعائلتها.
وذكرت السيدة أمال أن الحرفيين يعانون من مشكل آخر يتمثل في تسويق المنتجات، مضيفة أنها تعمل خصوصا في المناسبات والمواسم كالأعياد وموسم الأعراس وتكاد تبقى باقي أيام السنة دون عمل، مناشدة السلطات المحلية تخصيص أسواق ثابتة للحرفيين لعرض وبيع منتجاتهم طيلة أيام السنة.
وبدورها قالت عواطف (24 سنة) حرفية في صناعة الشموع والديكور إنها تعمل مع زميلتها في البيت وتبيع منتجاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا الأمر -تضيف- متعب ويتطلب بذل مجهودات أكبر كتوصيل المنتوج لمنزل الزبون خصوصا وأنها تسعى لتوسيع مشروعها مستقبلا وفتح فضاء لعرض أعمالها.
وطالبت الآنسة عواطف بايلاء اهتمام أكبر للحرفيين من خلال تسليمهم محلات لصناعة المنتجات وتخزينها وفتح فضاءات تجارية لبيع سلعهم.
من جهته، قال رئيس فيديرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر، رضا يايسي “إن المشكل الأساسي الذي يواجه الحرفيين الجزائريين عمومًا والحرفيات خاصة يتمثل في غياب التسويق”، منتقدًا الاستراتيجية التي تعتمدها وزارة السياحة والصناعات التقليدية الجزائرية، ومؤكدًا: “الوزارة تنظم معارض بتكاليف باهضة، لا يبيع فيها الحرفي شيئًا، لأنها ببساطة توفر أيضًا منتجات أجنبية بأسعار منخفضة”.
التسويق المنزلي والإفتراضي.. البديل الأحسن
غياب أسواق خاصة بالصناعات التقليدية وضعف تشجيع الدولة، لم يمنع المرأة الجزائرية من الإنتاج وممارسة حرفتها في مجال الطين والصوف والنحاس والجلود والحلويات والأغذية وغيرها من السلع التقليدية، معتمدة على ما يمكن تسميته التسويق المنزلي أساسًا. وتلجأ النساء عادة، إلى الوكالة الوطنية لدعم القرض المصغر، من أجل فتح مؤسسات مصغرة في البيت، للخياطة، وصناعة الحلويات والعجائن الغذائية كالكسكس.
ويحظى الحرفيون قانونيًا بحق المشاركة في مختلف النشاطات التي تنظمها غرف الصناعة التقليدية والحرف، كما يستفيدون من امتيازات في الضرائب والقروض البنكية والتموين، والتكوين ودعم الصندوق الوطني لترقية نشاطات الصناعات التقليدية فيما يتعلق بالتمويل الجزئي للتجهيزات والأدوات الصغيرة، إلا أن الحصول على هذه الحقوق يخضع للكثير من الإجراءات الإدارية المعقدة.
وحول هذا الموضوع تؤكد فايزة، التي تمتهن صناعة الجلود: “منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أعاني مع الإجراءات الإدارية من أجل الحصول على دعم لاقتناء تجهيزات خاصة بدباغة الجلود، لأني تعبت من العمل اليدوي”.
المرأة تهيمن على الصناعات التقليدية
بسبب الإشكالات في مجال التسويق والمواد الأولية، انحصر العمل في قطاع الصناعات التقليدية على النساء تقريبًا لقدرتهن على التسويق المنزلي، بينما يتوجه الرجال إلى الحرف المرتبطة بمجال الخدمات والبناء. يوضح رئيس فيدرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر: “أطلقنا مشروعًا بالتعاون مع لجان الأحياء، يتمثل في إدماج الشباب الذين تركوا المدارس في مؤسسات التكوين المهني وتحويلهم إلى حرفيين، وقد لاحظنا التوجه القوي نحو الحرف في قطاع الخدمات”.
من جهتها، تقوم بعض الجمعيات التي تهتم بانشغالات الحرفيين، في مجال التموين والتسويق، بحملات تحسيسية من أجل جذب اهتمام الريفيات نحو العمل في مجال الحرف، وإقناع العائلات بإدماج البنات في الحرف اليدوية، التي تساعدهم على تحقيق ربح مادي. وذلك بالتعاون مع المؤسسات الناشطة في هذا المجال وعلى هذا الأساس يتم تسجيل الحرفي في سجل الصناعة التقليدية والحرف ويحصل على “شهادة” ليبدأ في ممارسة حرفته.
هل يقبل الجزائريون على الصناعات التقليدية؟

رغم كل محاولات إحياء الحرف التقليدية، يتوجه الجزائري خاصة إلى اقتناء المنتجات الأجنبية المستوردة وخاصة الصينية التي اجتاحت السوق الجزائرية، دون مراعاة لمخاطرها الصحية، ويهمل بذلك المنتوجات المحلية. يفسر البعض ذلك بابتعاد المجتمع عن كل ما هو تراث، في حين يرجعها البعض الآخر إلى غلاء أسعار المنتجات المحلية مقارنة بالمستوى المعيشي للجزائريين.
وهذا لا ينطبق على كل الولايات الجزائرية، إذ تعرف قرى “القبائل” باستخدامها للحلي التقليدية التي تنتجها نساؤها وبارتباطها بالفضة. وفي المدن الداخلية، يقبل الناس بكثرة على شراء الأواني الفخارية التي تصنعها النساء من الطين الأحمر الأملس ويستخدمنها في الطبخ. وفي المناطق الرعوية، أين تتوفر الجلود كمادة أولية للصناعة، لا يزال الناس يستخدمون المنتجات الجلدية التي تصنعها العائلات، مثل الأحذية والنعال والأحزمة وبعض الأجهزة المنزلية، مثل ما يسمى بـ “الڤـــربة” لوضع الماء و”المــــزود”، الذي يستعمل في حفظ الدقيق بالرغم من اختفائها نهائيًا في المدن الأخرى.
سعف النخيل.. صلب الصناعة التقليدية في الجنوب وفي الصحراء، حيث تنتشر التحف والسلع المصنوعة من سعف النخيل، يستخدم سكانها هذه المنتجات ويقبلون على شرائها في شكل زرابي وأدوات متنوعة، كما يسكنون الخيم المصنوعة من الجلود، التي تحترف صناعتها النساء في منطقة “الطوارق” خاصة.
ل. ب