إن من مقاصد الإسلام العالية، وركائزه العظام السامية، نشرُ المحبة والألفة بين العباد، ونبذ التخاصم والتدابر والأحقاد؛ قال تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ” آل عمران 103. وقال صلى الله عليه وسلم كما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ” لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضكم على بَيْعِ بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِرُه، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئٍ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعِرضه” رواه مسلم. فهذه النصوص – وغيرها كثير – تشهد بوجوب الأُخوَّة بين المسلمين، وتؤكد على نشر المحبة والألفة بين المؤمنين، وتحثهم على توحيد كلمتهم واجتماع رأيهم، وتطهير قلوبهم من الحقد والحسد والكراهية والبغضاء، التي هي أمراض تهدم بنيان المجتمعات، وتصدع كيانها، وتزلزل أساسها؛ قال تعالى: ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ” الأنفال 46. إن الأخوة بين المؤمنين رِباط عَقَدِيٌّ، ومنحة ربانية، تجمع بين المؤمنين على أساس وحدة الدين والعقيدة، وهي أهم عامل في بناء المجتمع وتماسكه وتعاونه، ودرء المفاسد والأخطار عنه.
وإنه من الآفات التي بُليَتْ بها مجتمعاتنا، وتسبَّبت في التشتت والتفرق، وتأجُّجِ نيران العداوات والخصومات – بَلِيَّةُ الهجر والقطيعة بين المسلمين، حتى أضحى الولد لا يكلم والده، والبنت لا تكلم أمها، والأخ لا يكلم أخاه، والجار لا يكلم جاره، والصاحب لا يكلم صاحبه، ولا يسلم عليه، ولا يصلي بجانبه في المسجد، فمن كان هذا حاله، فليعلم أنه قد عرَّض نفسه لخطر كبير وضرر عظيم؛ إذ من شؤم القطيعة أنها تحرِمُ العبدَ قبول أعماله، ونيل عفوِ الله تعالى؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا” رواه مسلم. ولهذا فإنه على المتهاجِرَيْنِ أن يعلما أن فِعلَهما هذا يُعدُّ كبيرةً وفعلًا حرامًا؛ فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يحل لمسلم أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِض هذا، ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” رواه مسلم، ونفيُ الحِلِّيَّةِ عن الشيء دليلٌ على تحريمه وعدم جوازه. هذا، وقد عدَّ صلى الله عليه وسلم هجرَ المسلم لأخيه المسلم سنةً كاملةً كقتلِهِ؛ فعن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من هجر أخاه سنةً فهو كَسَفْكِ دمه” رواه أبي داود؛ يعني: في الإثم، إذا لم يكن الهجر لعذر شرعي.