شدد الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج على أن الرواية عالم منظم وشديد التعقيد، على العكس مما يظن كثير من الكتّاب الجدد، فهي تتأسس أوّلاً على مشروع حكائي، لا يظهر جيّداً بكل تفاصيله إلا عندما تصل عملية الحكي إلى منتهاها، وينغلق النص بعدها، ليصبح تاريخاً بالمعنى الأدبي.
وأضاف في لقاء مع موقع “الرواية”: “كما تتأسَّس الرواية على سلسلة من الاستراتيجيات الحكائيَّة، يختارها الكاتب، وهذا ليس أمراً عادياً، كما تفترض الرواية عتبات أولية ينفتح النص من خلالها على عالم جديد، يولد فيه النص لأول مرة، قبل أن يتقاطع مصيره مع مصير قارئ افتراضي موجود في نقطة غير مرئية من هذا العالم”.
وأضاف:”أثناء الصيرورة الإبداعية، في سياق فعل الكتابة، يبدع النص الروائي بنيته المكانية التي يشملها فضاء أوسع، وبنياته الزمنية التي تتحكم في دينامية سرد يتسع ويغتني، كلما اندفعت عملية القصّ إلى الأمام وفق وتيرة تتحكم فيها الوقائع والأحداث، وتقاطع داخلها حيوات الشخصيات الروائية التي تشكل معطى أساسيّاً. فهي ليست لعبة شطرنج موضوعة بين يدي شخص محدود التفكير والتخييل، يُموقِعُها بحسب الصدفة، حيث وأنّى يشاء”.
وأوضح مفسرا:”لقد أثارت مسألة الشخصية الروائية جدلاً كبيراً منذ فجر الرواية، بين، أوّلاً: الشخصية المرجعية التي تحيل إلى ما يعتمل في المجتمع لدرجة التحوّل إلى مجرد صدى لبشر حقيقيين، وهذا لا ينتج في أحسن الأحوال إلا عينات جافة، لا يشعر القارئ تجاهها بأية عاطفة.. مساحاتها لا تتعدى مساحات الواقع الموضوعي. والوعي النقدي العالمي فصل بشكل نهائي، بين الشخص الذي يعني الإنسان من لحم ودم – أي ما يسمى بالمرجع المادي، الذي لا علاقة له بالرواية – أي بالتخييل الذي لا يمكن تصور نص روائي حقيقي دونه، وبين الشخصية المتخيَّلَة، التي لا مرجع لها إلا النص الروائي الذي تنشأ فيه، وتتسع داخله.. عالمها مؤطر بين انفتاح الرواية وانغلاقها النهائي”.
وختم قائلا:”هي في النهاية كائنات لغوية وعلامات سيميائية لا سياق ولا تفسير لتاريخها وممارساتها إلا داخل النص، الذي تتشكل فيه حياتها الافتراضية، وأيّ رؤية للنص السردي عموماً، والروائي بالخصوص، خارج هذا الإطار تفقده معناه، بل وجوده”.
ب/ص