واحدة من الدرر الرومانية في الجزائر…. جميلة  تتوشح البياض في واحدة من أروع ما صوّر الخالق

elmaouid

زادت الثلوج مدينة جميلة بولاية سطيف جمالا على جمال وهيبة على هيبتها التي اكتسبتها من قديم الزمان، فهي المدينة الرومانية التي تروي هندستها المعمارية تاريخ الأباطرة وتؤكد تفاصيل بنائها روعة الطبيعة الجزائرية التي تنعم بالكثير من الموروثات التاريخية والطبيعية النادرة والمتروكة للأسف.

 كانت مدينة “كويكول” – وهو الاسم الروماني لمدينة جميلة – تحت قيادة الإمبراطور “نيرفا” وتأسست في نهاية القرن الأول ميلادي وبداية القرن الثاني ميلادي، تتكون في مجملها من معبد “الكابيتول” الذي يتكون من ثلاثة آلهة “جينار”، “جينو” و”مينيرو”، إضافة إلى سوق للإخوة “كوزيتوس” ومعبد آلهة أوروبا، حيث يوجد فيه ساحة قديمة هي ساحة واد المقربين .. في شرق المدينة توجد محكمة الغرب التي تحوي معبد فينوس “إله الجمال” ومنزل “كاسفينوس” وهو ملك العائلة النبيلة، و”كويكول” هو مكان اختارته الإمبراطورية الرومانية بعدما طردت البربر منها، وهي مدينة متحصنة أمنيا تقع ما بين واديي قرقور غربا وبيطان شرقا.

 

تماثيل الأباطرة… استقبال تاريخي عند مدخل المدينة

يستقبلك بمجرد دخولك لمدينة جميلة تمثال ضخم للسيدة جوليا دوبنا وزوجها “سيتيرسيفير”، وكأنهما يترصدان من يلج باب مدينتهما التي أسسا فيها عدة معابد منها معبد “كراكلا” هدية “سيتيرسيفير” لولد جوليا دوبنا كراكلا وهو المعبد الذي لا تستطيع رؤية قمته ذات العلو الرهيب.

كما أسس “سيتيرسيفير” بالمدينة أربع طرق ما تزال لحد اليوم وهي سيتي فيس “سطيف”، سيرتاميناف “قسنطينة” وقرقيلي “جيجل” وأخيرا لومبار “تيمقاد “.

 

فسيفساء تاريخية تصورها آثار المدينة

يكتشف زائر المدينة الأثرية مدى دقة اختيار هذا الموقع الذي كان في القرون الماضية مزار المفكرين، العلماء، الشعراء والمسؤولين لما تزخر به المنطقة من فسيفساء تاريخية تصورها آثار المدينة بأحيائها المنسقة وشوارعها وأروقتها، وتوجد في المدينة ساحتان عموميتان أولهما كانت تعتبر مركز الحياة السياسية للمدينة، بها قاعة اجتماع مجلس الشيوخ والمحكمة ومعبد فينوس، وحول الثانية المعبد المشيّد تكريمًا لأسرة “سيفيروس” وقوس نصر كراكالا والحمامات التي لم يؤثر فيها الزمان كثيرًا والسوق، والمنازل الأنيقة.

 

نماذج عصرية لقاعات تاريخية

أما المدخل الرئيسي للحمامات الموجودة في جنوب مدينة جميلة، المتجهة من الشرق إلى الغرب فهي عبارة عن رتاج له 12 رواقًا، وكان الرومان آنذاك يدخلون من بهو فسيح ينتهي إلى قاعة مخصصة للرياضة وهي تشبه في تصميمها القبو، كما كان الرومانيون يمرّون من إحدى قاعتي الملابس إلى قاعة التبرّد وهي قاعة فسيحة الأرجاء مزينة بالفسيفساء وصفائح المرمر، وتحوي في أرجائها حوضين صغيرين وحوض كبير تفصله عن الحوضين الآخرين مجموعة من أعمدة المرمر الوردية اللون،

وتأتي بعد ذلك الغرفة الساخنة، ويوجد على جانبيها منفذان ينتهيان إلى الغرفة المعتدلة الحرارة، وإلى حوض صغير ماؤه ساخن ثم إلى الغرفة المعتدلة الحرارة ومنها إلى قاعة التدليك.

 

دكاكين ومنازل “جميلة” شاهدة على حياة الرومان الاجتماعية

يحتوي سوق مدينة جميلة على دكاكين “كوزلنيوس”، وكان لها رتاج خارجي مرفوع على ستة أعمدة، وتوجد داخل كل دكان غرفة للموازين وتماثيل للمؤسس وأخيه والإله “مركور”، وكانت شبيهة بدكاكين تيمقاد، ولكنها أكثر خزفًا.

بالنسبة للمنازل والمباني التي كان يسكنها العامة من الناس، فتتميز بكونها منازل جميلة وببناء هندسي راقٍ يؤكد على الذوق الفني الراقي الذي كان يتمتع به الرومانيون آنذاك، تتواجد بعض تلك المنازل في المدينة القديمة، وبفضل النقوش الموجودة عليها تتم معرفة أسماء بعض مالكي هذه المنازل، وتوجد حول المنزل باحة داخلية يحفّها رواق تحيط به غرف مختلفة..

 

… وللحياة العلمية نصيب من آثار “جميلة”

“الفوروم” القديم بمدينة جميلة هو الركح الأثري الذي كانت تقام به في وقت الإمبراطورية الرومانية المسرحيات والخطب والمحاضرات العلمية والفكرية، أما المباني العمومية المحيطة به يُرجح أنها لم تؤسس إلا لاحقا، وجزء منها يعود إلى القرن الثاني الميلادي، أما في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث ميلادي أصبح حصن مدينة “كويكول” يضيق بما فيه، و هذا كان سبب بناء ساحة عمومية ثانية سميت أيضا فوروم الجنوب أو ساحة “السيفيريين”، وكانت هذه الساحة أوسع من الفوروم القديم وأقل منه ازدحاماً، كما كانت مفتوحة لحركة المرور، وكانت تشرف عليها بنايتان عظيمتان هما قوس النصر الذي أقيم على شرف الإمبراطور “كرا كالا “، والمعبد الكبير الذي يتقدّمه مدرج، وكانت مدينة جميلة قد أقامت هذا المعبد الكبير تخليدًا وتقديسًا لأسرة سيفيروس المالكة، فمن فوق هذه الساحة العمومية يتوضح جليا للمرء، أنّ الأمر لم يعد يتعلق بفوروم مستطيل كلاسيكي ممهد بإتقان، ومحاط بنصب وتماثيل بانتظام وتناسق كبيرين، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذه الساحة تقع على انحدار يزداد ابتداء من قوس نصر كاراكالا.

 

“الكابيتول” مركز العبادة وممارسة السياسة

“الكابيتول” هو المركز الديني والسياسي في جميلة يقع في الشمال الشرقي للفوروم، يكرس لعبادة الإله جوبيتير، جونو، مينيرفا. شكله مربع يتكون من ستة أجزاء، أما الكنيسة فتقع في الجزء الغربي من “الفوروم” وشيدت في عهد الإمبراطور فوريس، وكانت بمثابة مبنى محكمة ومنطقة تبادل السلع.

 

مسرح جميلة أبرز مسارح الرومان

يعتبر مسرح جميلة أبرز المسارح التي بناها الرومان في مدنهم التي شيدوها بالجزائر، وقد حفر في هضبة تستند إليها مقاعد المدرجات، وما زال هذا المسرح يحفظ إلى الآن احتفاظًا كاملا بالجدار المواجه للخشبة، والمزين بكوات مستديرة ومربّعة، من أجل الحصول على صدى جيد للأصوات، ويمكن أن يستوعب المسرح أكثر من 3000 متفرج كانوا في الماضي يصنفون وفقا للمكانة الاجتماعية، مجلس الشيوخ والفرسان في الصف الأمامي والناس في الأعلى.

 

معالم مسيحية ضمن الآثار الرومانية

ترك الرومان معالم كثيرة تدل على وجود الفترة المسيحية في الجزائر منها كنيستين مزخرفتين بمختلف أنواع الفسيفساء والنقوش الحجرية الخلابة وكنيسة صغيرة ومساكن خاصة تخدم رجال الدين، وكذا متحف يقع داخل الحديقة، ويضم عدة اكتشافات أثرية في الموقع نفسه ويجمع بعض الآثار النادرة، إضافة إلى تنوع فسيفسائها المليئة بالألوان التي تروي المواضيع الأسطورية..

ويوجد في مدينة جميلة “كويكول” حي مسيحي فيه معبد الباتستار الذي كانت تتم فيه عملية التنصير ويوجد به كنيستان الأولى يعود تاريخها إلى القرن الرابع ميلادي فيه الكريبت أين كان المسيحيون من الأرثودوكس يقومون بعملية التحنيط. ..

 

مهرجان جميلة.. الفن العربي في أحضان الرومان

يقام سنويا في المدينة العتيقة “كويكول” مهرجان جميلة العربي، الذي يجمع أعمدة الطرب العربي بمسرحها الروماني العتيق، ويلقى المهرجان متابعة واسعة سواء من طرف أهالي المدينة الذين يقدمون إليه ليستمتعوا بحضور عروض فنية باهرة وغنائية لمطربين عرب كبار، أو من طرف الزوار الذين يستقطبهم المهرجان من خارج ولاية سطيف وحتى من خارج الوطن والذين يجدون في المهرجان فرصة للتعرف عن قرب على المدينة الأثرية وما أنتجه الرومان قديما من قيمة فنية هندسية.