واجب الأخوة

واجب الأخوة

الأخوّة في الله هي منحة قدسية وإشراقه ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالى ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” الأنفال: 63. الأخوّة في الله هي طريق إسعاد البشرية بوجه عام لذلك لا يتصور للمجتمع المسلم أن يقوم أو يشتد عوده بدونها: فبالأخوّة يصبح أفراده كأغصان الشجرة الواحدة لا تكاد تؤثر فيها عواصف الأعداء أو رياح الأهواء، والأخوّة لكي تؤدي ثمارها المرجوة لا بد أن تنطلق من الإيمان بالله بل هما ركيزتان متلازمان لا يستغني أحدهما عن الآخر ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” سورة الحجرات: 10، وإن نعمة الأخوّة هي أثمن منحة ربانية للعبد من بعد نعمة الإسلام قال تعالى: “واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم” ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: “ما أُعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح، فإذا رأي أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به”.

لذلك عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أسس الدولة الإسلامية على دعائم قوية، كان من بينها وأهمها، الإخاء في الله فكان كنز الحياة الذي ساهم في الترابط والتلاحم بين الأفراد بعضهم البعض، وكان لذلك أبلغ الأثر في قوة وتماسك وبناء المجتمع المدني الجديد، ففي ظل هذه الأخوة والمحبة الصادقة المتبادلة بين المهاجرين والأنصار، أصبح الجميع يدا واحدة وقلبا واحدا، ولم يكن الحب والإخاء بينهم مجرد شعارات مجردة تطلقها الألسنة، بل كان عقدا مبرما ووعدا نافذا وعهدا موثقا، ساهم في إذابة العصبيات وكبح الجاهليات وإسقاط فوارق، فوارق اللون والجنس والنسب بين جميع الأفراد، فكان الجميع يتسابقون لتنفيذ بنود هذا العقد، لم يشعر المهاجرون بالغربة بسبب مفارقة وطنهم وديارهم وأهلهم وأموالهم، وإنما نزلوا ضيوفا كراما على إخوانهم الأنصار في المدينة، ولم يشعر الأنصار بالضيق والضجر بل كانوا يتسابقون إلى إيواء المهاجرين وتحمل الأعباء عنهم وشد أزرهم ومؤانستهم.

الكاتب أنور النبراوي