وأما بنعمة ربك فحدث

وأما بنعمة ربك فحدث

جُبِلَت النفوسُ على حُبِّ مَنْ أحسَنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا من الله جلَّ في عُلاه؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في نِعَمٍ من الله لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، ومع هذا فاللهُ تبارك وتعالى يقول “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ” سبأ: 13. ولا شكَّ أن ذِكْرَ النِّعَمِ، وشُكْرَ المنعِم أمرٌ واجبٌ على كلِّ مؤمن، فالله جلَّ وعلا يقول: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ” المائدة: 11، وقال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إبراهيم: 7، وقال تعالى ” وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ” الضحى: 11، فشُكْرُ المنعِمِ والتَّحدُّثُ بنِعَمِه هو منهجُ الأنبياء والمرسلين، فهذا سليمانُ عليه السلام يقول ” رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ” النمل:19، وقال تعالى مُثْنيًا عليه وعلى أبيه داود “اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” سبأ:13، وأثنى قبل ذلك على جدهم إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى ” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” النحل:120، 121، ومن بعدهم موسى عليه السلام يُعاهِدُ ربَّه فيقول ” رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ” القصص:17، وعيسى عليه السلامُ يتحدَّثُ بنعمة اللهِ عليهِ فيقول ” إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ” مريم:30-32، وقال اللهُ تعالى لخاتم أنبيائهِ وأفضلِ رُسله: ” بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ” الزمر: 66، فقام صلى الله عليه وسلم حتى تفطَّرت قدماه، وحين تعجَّبَ الصحابةُ من طول قيامه، قال: “أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟”.

فيا أُخيَّ المسلم؛ أذكر نِعمةَ اللهِ عليك، وأنَّ الله تباركَ وتعالى هو الذي أوجدكَ من العدم، وسوَّاك في أحسنِ تقويم، ونفخَ فيك من روحه، وعلَّمَك ما لم تكن تعلم، ورزقك من الطيبات، وهو الذي أطعمك وسقاك، وكساك وآواك، وهو الذي متَّعك بسمعك وبصرك، وعقلك وعافيتك، وسائر قواك، وهو الذي كرَّمك وحملك في البر والبحر، وفضَّلك على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلًا ” وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ” النساء: 113. فذكر نعمة اللهِ عليك: فهو الذي هداك لهذا الدين العظيم، وهو الذي وفَّقَكَ لصراطه المستقيم، وهو الذي شرح صدرك، ونور قلبك، وهو الذي ثبَّتَكَ على شرعه القويم، وهو الذي: ” حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ” الحجرات: 7، ” فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” البقرة: 64. فما أعظمَ اللهَ! وما أعظمَ قُدرته! وما أوسعَ حِلمهُ ورحمته! وما أجلَّ كرمَهُ! وما أعظم نِعْمتَه! وما أبلغَ عِلمَهُ وحِكمتَه! و” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ” فاطر: 3.

من موقع الالوكة الإسلامي